الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا ما وراء السنة لا يدخر له إلا بحكم ضعف القلب والركون إلى ظاهر الأسباب ، فهو خارج عن مقام التوكل غير واثق بإحاطة التدبير من الوكيل الحق بخفايا الأسباب ، فإن أسباب الدخل في الارتفاعات والزكوات تتكرر بتكرر السنين غالبا ، ومن ادخر لأقل من سنة فله درجة بحسب قصر أمله ، ومن كان أمله شهرين لم تكن درجته كدرجة من أمل شهرا ، ولا درجة من أمل ثلاثة أشهر ، بل هو بينهما في الرتبة ، ولا يمنع من الادخار إلا قصر الأمل ، فالأفضل أن لا يدخر أصلا وإن ضعف قلبه فكلما قل ادخاره كان فضله أكثر وقد روي في الفقير الذي أمر صلى الله عليه وسلم : عليا كرم الله وجهه وأسامة أن يغسلاه فغسلاه وكفناه ببردته ، فلما دفنه قال لأصحابه : إنه يبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ، ولولا خصلة كانت فيه لبعث ووجهه كالشمس الضاحية ، قلنا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : كان صواما قواما كثير الذكر لله تعالى غير أنه كان إذا جاء الشتاء ادخر حلة الصيف لصيفه ، وإذا جاء الصيف ادخر حلة الشتاء لشتائه ، ثم قال : صلى الله عليه وسلم بل أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر . الحديث وليس الكوز والشفرة وما يحتاج إليه على الدوام معنى ذلك فإن ادخاره ، لا ينقص الدرجة وأما ثوب ، الشتاء فلا يحتاج إليه في الصيف ، وهذا في حق من لا ينزعج قلبه بترك الادخار ، ولا تستشرف نفسه إلى أيدي الخلق ، بل لا يلتفت قلبه إلا إلى الوكيل الحق فإن ، كان يستشعر في نفسه اضطرابا يشغل قلبه عن العبادة والذكر والفكر فالادخار له أولى بل لو أمسك ضيعة يكون دخلها وافيا بقدر كفايته ، وكان لا يتفرغ قلبه إلا به فذلك له أولى ؛ لأن المقصود إصلاح القلب ليتجرد لذكر الله ورب شخص يشغله وجود المال ورب شخص يشغله عدمه والمحذور ما يشغل عن الله : عز وجل : وإلا فالدنيا في عينها غير محذورة لا وجودها ولا عدمها ولذلك بعث رسول الله : صلى الله عليه وسلم : إلى أصناف الخلق ، وفيهم التجار والمحترفون وأهل الحرف والصناعات فلم يأمر التاجر بترك تجارته ، ولا المحترف بترك حرفته ، ولا أمر التارك لهما بالاشتغال بهما ، بل دعا الكل إلى الله تعالى ، وأرشدهم إلى أن فوزهم ونجاتهم في انصراف قلوبهم عن الدنيا إلى الله تعالى .

التالي السابق



الخدمات العلمية