الفن الرابع : في السعي في إزالة الضرر كمداواة المرض وأمثاله ، اعلم أن الأسباب المزيلة للمرض أيضا تنقسم إلى مقطوع به ، كالماء المزيل لضرر العطش ، والخبز المزيل لضرر الجوع ، وإلى مظنون كالفصد والحجامة وشرب الدواء المسهل ، وسائر أبواب الطب ، أعني معالجة البرودة بالحرارة ، والحرارة بالبرودة ، وهي الأسباب الظاهرة في الطب وإلى موهوم كالكي والرقية .
أما المقطوع فليس من التوكل ، تركه ، بل تركه حرام عند خوف الموت .
وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ به وصف رسول الله : صلى الله عليه وسلم : المتوكلين وأقواها الكي ويليه ، الرقية ، والطيرة آخر درجاتها ، والاعتماد عليها والاتكال إليها غاية التعمق في ملاحظة الأسباب .
وأما الدرجة المتوسطة وهي المظنونة كالمداواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء ففعله ليس مناقضا للتوكل ، بخلاف الموهوم ، وتركه ليس محظورا بخلاف المقطوع ، بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال ، وفي بعض الأشخاص فهي على درجة بين الدرجتين ويدل ، على أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله وأمره به ، أما قوله فقد قال صلى الله عليه وسلم : التداوي غير مناقض للتوكل ، يعني الموت وقال عليه السلام ما من داء إلا وله دواء عرفه من عرفه ، وجهله من جهله إلا السام وسئل عن الدواء والرقى هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله ، وفي الخبر المشهور ما مررت بملأ من الملائكة إلا قالوا : مر أمتك بالحجامة وفي الحديث أنه أمر بها ، وقال : احتجموا لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين لا يتبيغ بكم الدم ، فيقتلكم فذكر أن تبيغ الدم سبب الموت ، وأنه قاتل بإذن الله تعالى ، وبين أن إخراج الدم خلاص منه ؛ إذ لا فرق بين إخراج الدم المهلك من الإهاب ، وبين إخراج العقرب من تحت الثياب ، وإخراج الحية من البيت . تداووا عباد الله ، فإن الله خلق الداء والدواء
وليس من شرط التوكل ترك ذلك بل هو كصب الماء على النار لإطفائها ودفع ضررها عند وقوعها في البيت ، وليس من التوكل الخروج عن سنة الوكيل أصلا وفي خبر مقطوع : من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر كان له دواء من داء سنة .