الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان أن ترك التداوي قد يحمد في بعض الأحوال .

ويدل على قوة التوكل ، وأن ، ذلك لا يناقض فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اعلم أن الذين تداووا من السلف لا ينحصرون ، ولكن قد ترك التداوي أيضا جماعة من الأكابر ، فربما يظن أن ذلك نقصان ؛ لأنه لو كان كمالا لتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا يكون حال غيره في التوكل أكمل من حاله .

وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : أنه قيل له : لو دعونا لك طبيبا فقال : الطبيب قد نظر إلي وقال : إني فعال لما أريد .

وقيل : لأبي الدرداء في مرضه : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي قيل فما تشتهي ؟ قال : مغفرة ربي ، قالوا : ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أمرضني وقيل : لأبي ذر وقد رمدت عيناه لو داويتهما ، قال : إني عنهما مشغول ، فقيل : لو سألت الله تعالى أن يعافيك ، فقال : أسأله فيما هو أهم علي منهما .

وكان الربيع بن خثيم أصابه فالج فقيل له : لو تداويت ؟ فقال : قد هممت ثم ذكرت عادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكان فيهم الأطباء فهلك المداوي والمداوى ، ولم تغن الرقى شيئا .

وكان أحمد بن حنبل يقول : أحب لمن اعتقد التوكل وسلك هذا الطريق ترك التداوي من شرب الدواء وغيره وإن كان به علل فلا يخبر المتطبب بها أيضا إذا سأله .

وقيل لسهل متى يصح للعبد التوكل ؟ قال : إذا دخل عليه الضرر في جسمه والنقص في ماله فلم يلتفت إليه شغلا بحاله ، وينظر إلى قيام الله تعالى عليه .

فإذا منهم من ترك التداوي وراءه ومنهم من كرهه ولا يتضح وجه الجمع بين فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعالهم إلا بحصر الصوارف عن التداوي .

فنقول : إن لترك التداوي أسبابا .

السبب الأول أن يكون المريض من المكاشفين ، وقد كوشف بأنه انتهى أجله ، وأن الدواء لا ينفعه ، ويكون ذلك معلوما عنده تارة برؤيا صادقة وتارة بحدس وظن ، وتارة بكشف محقق ، ويشبه أن يكون ترك الصديق رضي الله عنه : التداوي من هذا السبب ، فإنه كان من المكاشفين فإنه قال لعائشة رضي الله عنها في أمر الميراث : إنما هن أختاك وإنما ، كان لها أخت واحدة ولكن ، كانت امرأته حاملا فولدت أنثى ، فعلم أنه كان قد كوشف بأنها حامل بأنثى فلا يبعد أن يكون قد كوشف أيضا بانتهاء أجله ، وإلا فلا يظن به إنكار التداوي وقد شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر به .

التالي السابق



الخدمات العلمية