بيان أن . ترك التداوي قد يحمد في بعض الأحوال
ويدل على قوة التوكل ، وأن ، ذلك لا يناقض فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
اعلم أن الذين تداووا من السلف لا ينحصرون ، ولكن قد ترك التداوي أيضا جماعة من الأكابر ، فربما يظن أن ذلك نقصان ؛ لأنه لو كان كمالا لتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا يكون حال غيره في التوكل أكمل من حاله .
وقد روي عن رضي الله عنه : أنه قيل له : لو دعونا لك طبيبا فقال : الطبيب قد نظر إلي وقال : إني فعال لما أريد . أبي بكر الصديق
وقيل : في مرضه : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي قيل فما تشتهي ؟ قال : مغفرة ربي ، قالوا : ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أمرضني وقيل : لأبي الدرداء وقد رمدت عيناه لو داويتهما ، قال : إني عنهما مشغول ، فقيل : لو سألت الله تعالى أن يعافيك ، فقال : أسأله فيما هو أهم علي منهما . لأبي ذر
وكان الربيع بن خثيم أصابه فالج فقيل له : لو تداويت ؟ فقال : قد هممت ثم ذكرت عادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكان فيهم الأطباء فهلك المداوي والمداوى ، ولم تغن الرقى شيئا .
وكان يقول : أحب لمن اعتقد التوكل وسلك هذا الطريق أحمد بن حنبل وغيره وإن كان به علل فلا يخبر المتطبب بها أيضا إذا سأله . ترك التداوي من شرب الدواء
وقيل لسهل متى يصح للعبد التوكل ؟ قال : إذا دخل عليه الضرر في جسمه والنقص في ماله فلم يلتفت إليه شغلا بحاله ، وينظر إلى قيام الله تعالى عليه .
فإذا منهم من ترك التداوي وراءه ومنهم من كرهه ولا يتضح وجه الجمع بين فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعالهم إلا بحصر الصوارف عن التداوي .
فنقول : إن . لترك التداوي أسبابا
السبب الأول أن يكون المريض من المكاشفين ، وقد كوشف بأنه انتهى أجله ، وأن الدواء لا ينفعه ، ويكون ذلك معلوما عنده تارة برؤيا صادقة وتارة بحدس وظن ، وتارة بكشف محقق ، ويشبه أن يكون ترك رضي الله عنه : التداوي من هذا السبب ، فإنه كان من المكاشفين فإنه قال الصديق رضي الله عنها في أمر الميراث : إنما هن أختاك وإنما ، كان لها أخت واحدة ولكن ، كانت امرأته حاملا فولدت أنثى ، فعلم أنه كان قد كوشف بأنها حامل بأنثى فلا يبعد أن يكون قد كوشف أيضا بانتهاء أجله ، وإلا فلا يظن به إنكار التداوي وقد شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر به . لعائشة