ثم درجات القرب تتفاوت تفاوتا لا نهاية له أيضا ؛ لأجل انتفاء النهاية عن ذلك الكمال .
فإذا محبة الله للعبد تقريبه من نفسه بدفع الشواغل والمعاصي عنه وتطهير باطنه عن كدورات الدنيا ورفع الحجاب عن قلبه حتى يشاهده كأنه يراه بقلبه .
وأما فهو ميله إلى درك هذا الكمال الذي هو مفلس عنه فاقد له ؛ فلا جرم يشتاق إلى ما فاته ، وإذا أدرك منه شيئا يلتذ به والشوق ، والمحبة بهذا المعنى محال على الله تعالى . محبة العبد لله
فإن قلت : محبة الله للعبد أمر ملتبس فيما يعرف العبد أنه حبيب الله ، فأقول : يستدل عليه بعلاماته .
وقد قال : صلى الله عليه وسلم : إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإذا ، أحبه الحب البالغ اقتناه ، قيل : وما اقتناه ؟ قال : لم يترك له أهلا ولا مالا ويحول بينه وبين غيره قيل فعلامة محبة الله للعبد أن يوحشه من غيره لعيسى عليه السلام : لم لا تشتري حمارا فتركبه ؟ فقال : أنا أعز على الله تعالى من أن يشغلني عن نفسه بحمار .
وفي الخبر : إذا أحب الله تعالى عبدا ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، فإن رضي اصطفاه وقال بعض العلماء : إذا رأيتك تحبه ورأيته يبتليك ، فاعلم أنه يريد أن يصافيك وقال بعض المريدين لأستاذه : قد طولعت بشيء من المحبة ، فقال : يا بني هل ابتلاك بمحبوب سواه فآثرت عليه إياه ؟ قال : لا ، قال : فلا تطمع في المحبة ؛ فإنه لا يعطيها عبدا حتى يبلوه .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أحب الله تعالى عبدا جعل له واعظا من نفسه وزاجرا من قلبه يأمره وينهاه وقد قال إذا أراد الله تعالى بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه فأخص علاماته حبه لله ؛ فإن ذلك يدل على حب الله .
وأما الفعل الدال على كونه محبوبا ، فهو أن يتولى الله تعالى أمره ظاهره وباطنه سره وجهره ؛ فيكون هو المشير عليه والمدبر لأمره والمزين لأخلاقه والمستعمل لجوارحه والمسدد لظاهره وباطنه والجاعل همومه هما واحدا والمبغض للدنيا في قلبه والموحش له من غيره والمؤنس له بلذة المناجاة في خلواته والكاشف له عن الحجب بينه وبين معرفته .
فهذا وأمثاله هو علامة حب الله للعبد .