؛ إذ يمزج شرابه بقدر من شراب المقربين ، كما قال تعالى في الأبرار ومن امتزج بحبه حب غير الله تنعم في الآخرة بقدر حبه إن الأبرار لفي نعيم ثم قال : يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون فإذا طاب شراب الأبرار لشوب الشراب الصرف الذي هو للمقربين .
والشراب عبارة عن جملة نعيم الجنان ، كما أن الكتاب عبر به عن جميع الأعمال فقال إن كتاب الأبرار لفي عليين ثم قال : يشهده المقربون فكان أمارة علو كتابهم أنه ارتفع إلى حيث يشهده المقربون وكما أن الأبرار يجدون المزيد في حالهم ومعرفتهم بقربهم من المقربين ومشاهدتهم لهم فكذلك يكون حالهم في الآخرة ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة كما بدأنا أول خلق نعيده ، وكما قال تعالى جزاء وفاقا ، أي : وافق الجزاء أعمالهم فقوبل الخالص بالصرف من الشراب وقوبل المشوب بالمشوب .
وشوب كل شراب على قدر ما سبق من الشوب في حبه وأعماله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره و إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين فمن كان حبه في الدنيا رجاءه لنعيم الجنة والحور العين والقصور مكن من الجنة ليتبوأ منها حيث يشاء فيلعب مع الولدان ويتمتع بالنسوان فهناك تنتهي لذته في الآخرة ؛ لأنه إنما يعطى كل إنسان في المحبة ما تشتهيه نفسه وتلذ عينه .
ومن كان مقصده رب الدار ومالك الملك ولم يغلب عليه إلا حبه بالإخلاص والصدق أنزل في مقعد صدق عند مليك مقتدر فالأبرار يرتعون في البساتين ويتنعمون في الجنان مع الحور العين والولدان والمقربون ملازمون للحضرة عاكفون بطرفهم عليها يستحقرون نعيم الجنان ، بالإضافة إلى ذرة منها فقوم ؛ بقضاء شهوة البطن والفرج مشغولون وللمجالسة أقوام آخرون ؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثر أهل الجنة البله ، وعليون لذوي الألباب .
ولما قصرت الأفهام عن درك معنى عليين عظم أمره ، فقال : وما أدراك ما عليون كما قال تعالى : القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة .