قال  الآمدي:   "الخامس: هو أن من مذهبهم أن مستند المحدثات إنما هو القول الحادث أو الإرادة الحادثة ، ومستند القول  [ ص: 107 ] والإرادة القدرة القديمة والمشيئة الأزلية ، ولا فرق بين الحادث والمحدث من جهة تجدده ، وهو إنما كان مفتقرا إلى المرجح من جهة تجدده ، وقد استويا في التجدد ، فلو قيل لهم : لم لا أكتفي بالقدرة القديمة والمشيئة الأزلية في حدوث المحدثات من غير توسط القول والإرادة ، كما اكتفى بها في القول والإرادة لم يجدوا إلى الفرق سبيلا" . 
فيقال : ولقائل أن يقول : من الصفات ما يثبت بالسمع  ، وقد يكونون أثبتوا ذلك بالسمع ، كما أثبت الصفاتية  من السلف والخلف   -كابن كلاب،   والأشعري  ،  والقاضي أبي بكر  ، والقشيري  ،  والبيهقي-  تكوين آدم  باليدين بالسمع ، مع أن غيره لم يحتج إلى ذلك . كما أثبت أيضا  الأشعري  ، وغيره التكوين بكن سمعا ، مع أن العقل يكتفي بالقدرة . 
ونقل ذلك عن أهل السنة والحديث ، وقال عنهم: "إن الله لم يخلق شيئا إلا قال له : كن" . وذكر أنه : بقولهم يقول . 
والقرآن قد أخبر أنه إذا أراد شيئا أن يقول له : كن فيكون ، و"أن" تخلص الفعل المضارع للاستقبال . وكذلك "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان يتضمن معنى الشرط غالبا .  [ ص: 108 ] 
فلما رأوا السمع دل على أن المحدث يتعلق بقول وإرادة يكون المحدث عقبه -مع علمهم بأن قول الرب وإرادته لا يقوم إلا بذاته- قالوا ذلك . 
وأيضا فجميع الطوائف فرقوا بين حادث وحادث ، وشرطوا في هذا ما لم يشرطوه في الآخر . 
فالفلاسفة يقولون : كل حادث مشروط بما قبله من الحوادث ، ولا يسوون بين الحوادث . 
والمعتزلة البصريون  يقولون : كل المحدثات لا تحدث إلا بإرادة ، ولا تقوم الصفات إلا بمحل . 
وقالوا: إن الإرادة حدثت بلا إرادة وقامت في غير محل ، وكذلك الفناء عندهم . 
والأشعرية  فرقوا بين خلق آدم  وغيره . 
وأيضا فلا يخلو : إما أن يكون بين هذين الحادثين فرق مؤثر ، وإما أن لا يكون . فإن كان بينهما فرق مؤثر بطل الإلزام ، وإن لم يكن فرق مؤثر لزم خطؤهم في أحد القولين : إما في الاكتفاء في الحدوث بالقدرة القديمة ، وإما في إثبات شيء حادث للمحدثات المنفصلة .  [ ص: 109 ] 
وحينئذ فقد يكونون إنما أخطأوا في الاكتفاء بمجرد القدرة والإرادة القديمة ، كما يقوله من يقول: إن الحوادث لا بد لها من سبب حادث ، وحينئذ فيلزمهم القول بدوام الحوادث . كما هو قول من قاله من السلف وأهل الحديث والكلام والفلسفة . 
وفي الجملة هذا الإلزام إذا صح يلزم الخطأ في أحد الموضعين ، لا يلزم صحة قول المنازع . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					