[ ص: 54 ] ذكر ما جرى في طريقه إلى المدينة
أبو بكر رضي الله عنه ، وعامر بن فهيرة ووليهم عبد الله بن أريقط الليثي ، وكان على دين قومه ، فأخذ بهم طريق السواحل . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغار ومعه
أخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا أبو الحسن بن علي ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، أخبرنا قال : حدثني أبي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد عمرو بن محمد العنقري قال: حدثنا عن إسرائيل ، أبي إسحاق ، عن قال: البراء بن عازب قال:] فقال: مر البراء فليحمله إلى منزلي . قال: لا ، حتى تحدثنا كيف [صنعت حين] هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه؟ اشترى أبو بكر من عازب سرجا [بثلاثة عشر درهما .
قال [فقال أبو بكر]: خرجنا فأدلجنا فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا ، وقام قائم الظهيرة ، فضربت ببصري ، هل أرى ظلا نأوي إليه؟ فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها ، فإذا بقية ظلها ، فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة ، وقلت: اضطجع يا رسول الله .
فاضطجع ، ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب ، فإذا براعي غنم فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش . فسماه فعرفته ، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم . [قال] قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم . [قال: فأمرته] فاعتقل شاة منها ، ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار ، ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ، ومعي إداوة على فمها خرقة ، فحلب [لي كثبة] من اللبن ، فصببته على القدح حتى برد أسفله ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [فوافيته وقد استيقظ] فقلت: اشرب يا رسول الله . فشرب [ ص: 55 ] حتى رضيت ، ثم قلت: هل أتى الرحيل؟ فارتحلنا والقوم يطلبوننا ، فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له . فقلت: يا رسول الله ، هذا الطلب قد بلغنا . فقال: "لا تحزن إن الله معنا" حتى إذا دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين - أو قال: رمحين أو ثلاثة - قلت: يا رسول الله هذا الطلب قد بلغنا . وبكيت .
قال: "لم تبكي؟" قلت: أما والله ما على نفسي أبكي ، ولكن أبكي عليك . قال: فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم اكفنا بما شئت" فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صلد ، ووثب عنها وقال: يا محمد ، قد علمت أن هذا عملك ، وهذه كنانتي فخذ منها سهما ، فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حاجة لي فيها" ، قال: ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق فرجع إلى أصحابه فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب ، .
أخبرنا عبد الأول قال: أخبرنا قال: أخبرنا ابن المظفر ابن أعين قال: حدثنا قال: أخبرنا الفربري قال: حدثنا البخاري قال: أخبرنا يحيى بن أبي بكير الليث ، عن عقيل ، قال أخبرني ابن شهاب: عبد الرحمن بن مالك المدلجي : أنه سمع سراقة يقول:
ثم لبثت في المجلس ساعة ، ثم قمت ، فدخلت [بيتي] ، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة ، فتحبسها علي ، فأخذت رمحي وخرجت به من ظهر البيت ، فخططت بزجه الأرض ، وخفضت عالية [الرمح] ، حتى أتيت فرسي فركبتها ، فدفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم ، فعثرت بي فرسي فخررت عنها ، فأهويت يدي إلى كنانتي ، فاستخرجت [منها] الأزلام ، فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره [لا أضرهم] ، فركبت فرسي وعصيت الأزلام ، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو [لا] يلتفت ، وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي حتى بلغتا الركبتين ، فخررت عنها ، ثم زجرتها ، فنهضت ولم تكد تخرج يديها ، فلما استوت قائمة ، إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان ، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره ، فناديتهم بالأمان فوقفوا ، فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت [ما لقيت] من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية ، وأخبرتهم [أخبار] ما يريد الناس بهم ، وعرضت عليهم الزاد والمتاع . فلم يرزآني ولم يسألاني ، إلا أن قالا: أخف عنا . فسألته أن يكتب لي كتاب أمن ، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم . جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره ، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي ، أقبل رجل منهم حتى قام علينا [ونحن جلوس] ، فقال: يا سراقة ، إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل ، أراها محمدا وأصحابه . قال سراقة: فعرفت أنهم هم ، فقلت: إنهم ليسوا بهم ، ولكنك رأيت فلانا وفلانا ، انطلقوا بأعيننا . [ ص: 56 ]