مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يحج عنه إلا من قد أدى الفرض مرة فإن لم يكن حج فهي عنه ولا أجرة له وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وعن سمع رجلا يلبي عن فلان فقال له إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج عن نفسك ابن عباس أنه سمع رجلا يقول :
[ ص: 21 ] " لبيك عن شبرمة " فقال : ويحك " ومن شبرمة ؟ " فأخبره فقال " احجج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " .
قال الماوردي : وهذا كما قال سواء أمكنه الحج أم لا . وبه قال ليس لمن لم يؤد فرض الحج عن نفسه أن يحج عن غيره ابن عباس والأوزاعي وهو قول أحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز أن يحج عن غيره وإن لم يحج عن نفسه ، وقال الثوري إن أمكنه أن يحج عن نفسه فليس له أن يحج عن غيره ، وإن لم يمكنه جاز ، واستدلوا بحديث الخثعمية قالت : وفيه دليلان : إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا ، فهل ترى أن أحج عنه ؟ قال : نعم ،
أحدهما : أنه لم يشترط تقدم حجها عن نفسها .
والثاني : أنه شبه قضاء الحج بقضاء الدين وبرواية طاوس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يلبي عن نبيشة فقال : حج عن نبيشة ثم حج عن نفسك وهذا نص ، ولأنها عبادة تدخلها النيابة فجاز أن يفعلها عن غيره ، وإن كان عليها مثلها كالزكاة . ودليلنا رواية أبي الزبير عن جابر شبرمة فقال له : أحججت عن نفسك قال : لا ، قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يلبي عن
وروى عطاء عن ابن عباس شبرمة فقال : إن كنت حججت عن نفسك فلب عنه وإلا فلب عن نفسك . أن رسول الله سمع رجلا يلبي عن
فأمره أن يقدم حج نفسه على حج غيره .
فإن قيل : فهذا الخبر يقتضي أن يكون قد انعقد إحرامه بالحج عن غيره ، ثم أمره بنقله إلى نفسه ، وهذا خلاف قولكم لأنكم تزعمون أن الإحرام قد انعقد عنه لا عن غيره .
قيل إنما أمره أن ينقل التلبية لا الإحرام ، بدليل قوله : إن كنت حججت عن نفسك فلب عنه وإلا فلب عن نفسك .
فإن قيل : فيجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بفسخ ما انعقد من الإحرام عن غيره ، وتجديد الإحرام عن نفسه لأنه وقت كان الفسخ جائزا فيه ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم فسخ الحج على أصحابه ، ونقلهم إلى العمرة قيل : هذا غلط ، لأن الفسخ كان على عهد رسول الله [ ص: 22 ] صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز بعده وكان السبب في فسخ الحج إلى العمرة على ما ذكر أنهم كانوا يعتقدون أن فعل العمرة في أشهر الحج لا يجوز حتى كانوا يقولون : إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر ، ويدل على ما قلنا : أن الإحرام فعل من أفعال الحج ، فوجب أن لا يجوز له أن يفعله عن غيره قبل أن يفعله عن نفسه . أصله : إذا كان عليه طواف الزيارة وطواف عن غيره ، ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة فلم يجز أن يؤديها عن غيره ، مع وجوب فرضها عليه كالجهاد فأما حديث الخثعمية ، فالجواب عنه ما روي أنها سألته ، وقد رفع من مزدلفة إلى منى فكان الظاهر من حالها ، أنها قد أدت فرض الحج عن نفسها سيما وقد شاهدها في المواقف مع الناس وعلى أنها قصدت بالسؤال بعرفة وجوب الحج على أبيها ، ولم تقصد به صفة الحج وكيفية النيابة فيه ، وأما حديث نبيشة فرواية الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس ، وقد روي بإسناده أنه قال : حج عن نفسك ثم حج عن نبيشة .
وأما قياسهم على الزكاة فالمعنى فيه : جواز ، والحج لا يصح فيه النيابة مع القدرة عليه . النيابة فيه مع القدرة على أدائه