الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5809 ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا : للواهب أن يرجع في هبته إذا كانت قائمة على حالها لم تستهلك ولم تزد في بدنها بعد أن يكون الموهوب له ليس بذي رحم محرم من الواهب ، وبعد أن يكون لم يثبه منها ثوابا ، فإن كان أثابه منها ثوابا وقبل ذلك الثواب منه ، أو كان الموهوب له ذا رحم محرم من الواهب فليس للواهب أن يرجع فيها ، فإن لم يكن الواهب ذا رحم محرم للموهوب له ، ولكنها امرأة وهبت لزوجها ، أو زوج وهب لامرأته فهما في ذلك كذي الرحم المحرم ، وليس لواحد منهم أن يرجع فيما وهب لصاحبه .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين ، وأراد بهم : سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وشريحا القاضي والأسود بن يزيد والحسن البصري وعامرا الشعبي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا -رحمهم الله- ; فإنهم قالوا : للواهب من الأجنبي الرجوع عن هبته ما دامت قائمة ولم يعوض عنها . وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وفضالة بن عبيد وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - .

                                                قوله : "لم يثبه " من الإثابة وهو التعويض والمجازاة ، يقال : أثابه يثيبه إثابة ، والاسم : الثواب ويكون في الخير والشر ، إلا أنه في الخير أخص وأكثر استعمالا .

                                                وقال ابن حزم في "المحلى " : قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : من وهب لذي رحم محرمة أو ولده وأقبضه إياه أو وهب أحد الزوجين لصاحبه هبة وأقبضه إياها ، فلا رجوع

                                                [ ص: 313 ] لأحد ممن ذكرنا فيما وهب ، ومن وهب لأجنبي أو لمولى أو لذي رحم غير محرمة هبة وأقبضه إياها فللواهب أن يرجع فيما وهب متى شاء ، وإن طالت المدة ما لم تزد الهبة في بدنها أو ما لم يخرجها الموهوب له عن ملكه ، أو ما لم يمت الواهب أو الموهوب له ، أو ما لم يعوض الموهوب له أو غيره عنه الواهب عوضا يقبله الواهب ، فأي هذه الأسباب كان ، فلا رجوع للواهب فيما وهب ، ولا يجوز الرجوع في الهبة إذا لم يكن شيء مما ذكرنا إلا بتسليم الموهوب ذلك أو بحضرة الحاكم ، أحب الموهوب له أم كره ، قال : فلو وهب آخر جارية فعلمها الموهوب له القرآن أو الكتابة والخبز فليس ذلك بمانع من رجوع الواهب فيها . وإن كان عليها دين فأداه الموهوب له عنها ، أو كانت كافرة فأسلمت فلا رجوع فيها للواهب .

                                                وأما الصدقة فلا رجوع للمتصدق فيها لأجنبي كانت أو لغير أجنبي بخلاف الهبة .

                                                وقال مالك : لا رجوع لواهب ولا لمتصدق في هبته أصلا لا لأجنبي ولا لذي رحم محرمة إلا في هبة الثواب فقط ، وفيما وهب الرجل لولده أو ابنته الكبيرين أو الصغيرين ما لم يقل : إنه وهبها لولده لوجه الله تعالى ، فإن قال هذا ; فلا رجوع فيما وهب .

                                                فإن لم يقله فله الرجوع فيما وهب ما لم يداين الولد على تلك الهبة ، أو ما لم يتزوج الابن أو الابنة عليها ، أو ما لم يثب الابن أو الابنة أباهما على ذلك ، فأي هذه الوجوه كان فقد بطل رجوع الأب في الهبة ، وترجع الأم كذلك فيما وهبت لأولادها الكبار كان أبوهم حيا أو لم يكن .




                                                الخدمات العلمية