الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم (التقليد والاجتهاد - النظرية والتطبيق)

الدكتور / جمال الدين عطية

المبحث الثاني: النصوص الحاكمة للمعاملات المالية

إن أهم ما وردت به النصوص – من كتاب وسنة – في أمور المعاملات مما له تعلق بنشاط البنوك والمؤسسات المالية يمكن تصنيفه تحت ثلاث مجموعات تتعلق بالعاقد، والمعقود عليه، والثمن أو العوض.

ولا يتسع المجال في هـذه الدراسة للمناقشة التفصيلية للنصوص وآراء الشراح؛ فنكتفي بإيراد الرأي الذي انتهينا إليه، محيلين للتفصيل إلى بحثنا المنشور في مجلة المسلم المعاصر العدد 38 (ص 69 – 102) وإلى المراجع التي أشرنا إليها هـناك.

أولا: ما يتعلق بالعاقد

ويندرج تحت هـذه المجموعة:

1 – حرية الاختيار: أي عنصر التراضي في المعاملات وحكم الإكراه فيها.

2 – نية العاقد ومقصده: والعلاقة بين المعنى واللفظ، وأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، وما يترتب على ذلك من تحريم الحيل الفقهية، والنص بالذات على إحدى هـذه الحيل وهي ((بيع العينة)) والأحاديث والآراء الواردة في هـذا الموضوع.

ثانيا: ما يتعلق بالمعقود عليه (محل العقد)

وتندرج تحت هـذه المجموعة فئتان:

(أ) فئة تتعلق بتحديد محل العقد. [ ص: 126 ]

3– وقد ورد حديث عام يقرر مبدأ النهي عن بيوع الغرر، كما وردت عدة أحاديث في تحريم أنواع من البيوع تعتبر تطبيقات للمبدأ العام بسبب ما فيها من الجهالة والغرر.

(ب) فئة تتعلق بإمكان تسليم محل العقد، وقد وردت عدة نصوص لخدمة هـذا الغرض:

4– النهي عن بيع المرء ما ليس عنده أي ما لا قدرة له على تسليمه، أما بيع الموصوف المضمون في الذمة كما في السلم فليس من هـذا الباب في شيء ( ابن القيم في إعلام الموقعين).

5 – النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك، ويستثنى من ذلك السلم؛ إذ إن البيع إذا كان في ذمة المشتري كان كالحاضر المقبوض (الشوكاني في نيل الأوطار).

6 – النهي عن البيع قبل القبض، وقد وردت فيه عدة أحاديث، وقد اختلف الفقهاء في نطاق المنع وفي علة النهي؛ وهي تتراوح بين عدم المقدرة على التسليم، وعدم ضبط محل العقد، وعدم عدالة الثمن.

7 – النهي عن بيع المعدوم، وقد وردت فيه عدة أحاديث.

8 – النهي عن بيع الدين إلى غير المدين، ولم يرد في هـذا الباب أي نص.

9 – عقد السلم، وقد وردت بجوازه عدة أحاديث، ويمكن تلخيص الرأي بشأنه بما يلي:

- السلم بيع موصوف في الذمة، منضبط الصفات، ولا يجوز في شيء بعينه.

- ويرى الشافعية عدم اشتراط الأجل فيه.

- ويرى الجمهور عدم اشتراط وجود المسلم فيه في وقت السلم.

- ويرى مالك عدم اشتراط قبض رأس مال السلم في مجلس العقد. [ ص: 127 ]

ثالثا: ما يتعلق بالثمن أو العوض

ويندرج تحت هـذه المجموعة عدة فئات:

(أ) مبدأ المعاوضة ذاته:

10 – تصنيف العقود إلى: عقود تبرع وعقود معاوضة: لم يرد في هـذا التصنيف نص، وإنما من صنعة الفقهاء تسهيلا للدراسة والمقارنة وقياس الشبيه على شبيهه، وإنما وردت النصوص في النهي عن أخذ أجرة على بعض الأعمال؛ كتعليم القرآن وقراءته، والأذان، وغير ذلك من القرب والواجبات.

11 – كل قرض جر نفعا فهو ربا: لم يثبت في هـذه القاعدة نص والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هـو استحباب رد ما هـو أفضل من المثل المقترض، بشرط ألا تكون الزيادة في العدد مشروطة في العقد، أما الزيادة في الصفة فلا بأس بها ولو كانت مشروطة.

(ب) مبدأ تحديد الثمن (أو العوض) وضبطه:

12 – النهي عن بيعتين في بيعة، وعن صفقتين في صفقة، وعن شرطين في بيع:

ورد في ذلك حديثان كما وردت أحاديث أخرى في بعض معاني هـذا الباب دون تصريح بالبيعتين في بيعة. وقد اختلف الفقهاء في تفسير هـذه الأحاديث، ونحن نختار الرأي القائل بأن علة التحريم هـي عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين: أحدهما نقدا والآخر نسيئة، وترك الأمر معلقا بين الثمنين دون أن يختار أي الثمنين صار عليه الاتفاق. وفي حالة حدوث ذلك فلا يحل للبائع إلا أقل الثمنين، وإلا كانت الزيادة ربا بنص حديث أبي هـريرة رضي الله عنه (رواية أبي داود ).

كما نخلص من النهي عن سلف وبيع أنه النهي عن الاحتيال على الربا في القرض بالجمع بين القرض وبيع شيء مع المحاباة في ثمنه مقابل القرض. [ ص: 128 ] فاستقلال كل من القرض والبيع أدعى إلى التنزه عن شبهة الربا ، وإلى انضباط الثمن في البيع.

13 – النهي عن بيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين):

وورد فيه حديثان، وقد ضعف العلماء أحد الحديثين وهو الصريح في منع الدين بالدين. أما الحديث الآخر فيجيز صراحة منع بيع الدين نقدا، ولا تدل عبارته بمفهوم المخالفة على عدم جواز بيع الدين بالدين.

14 – التسعير والاحتكار وتلقي الركبان:

ورد النهي عن التسعير في حديث صحيح، ولا يعني ذلك ترك الأثمان غير منضبطة – إذ النصوص السابقة تؤكد اهتمام المشروع بضبط الأثمان – وإنما يعني أن يترك تحديد الأثمان لعوامل العرض والطلب في السوق، وهو المبدأ المعروف في الاقتصاد، وهذا يعني أن الشريعة الإسلامية لا ترى الأخذ بمبدأ الثمن (العادل) الذي تحدده السلطة العامة؛ سواء بتحديد الثمن أو بتحديد نسبة الربح الذي يضاف إلى التكلفة، وبالتالي فلا محل لفكرة الربح (الفاحش) حتى لو تجاوز سعر البيع التكلفة أضعافا كثيرة؛ طالما أن قانون العرض والطلب يعمل بحرية في ظروف السوق. ومن هـنا كان تحريم الاحتكار كذلك لكسر أي قيد على سريان قانون العرض والطلب، وقد ورد في النهي عن الاحتكار حديث صحيح.

وحتى تكتمل عوامل حرية تكوين السعر في السوق وفقا لقانون العرض والطلب فقد وردت أحاديث صحيحة بالنهي عن تلقي الركبان، أي انتظار قوافل التجارة خارج أسواق البلد والشراء منها قبل أن يعرف أصحابها ظروف السوق التي يردون عليها، ويتحدد السعر بين البائع والمشتري وكلاهما على علم بهذه الظروف.

15 – الغبن:

فإذا تحدد السعر بين البائع والمشتري بحرية كما سبق البيان فهذا هـو السعر [ ص: 129 ] (العادل) الذي تحترمه الشريعة.

أما إذا شاب تحديد السعر جهل أحد الطرفين بظروف السوق أو السلعة مما أدى إلى وقوعه في غبن، كان له الخيار بين إمضاء العقد أو إلغائه.

ويحدد العرف ما يعتبر غبنا يثبت به خيار الغبن وما لا يعتبر كذلك.

(د) النهي عن الربح في بعض المعاملات:

16 – النهي عن ربح ما لم يضمن:

ورد الحديث الصحيح بأنه لا يحل ربح ما لم يضمن، كما عللت الأحاديث الواردة في باب النهي عن البيع قبل القبض بأنها من باب ربح ما لم يضمن. كما ورد الحديث الصحيح بأن الخراج بالضمان. وهناك القاعدة الشرعية بأن الغرم بالغنم.

وكل ذلك يؤكد قاعدة هـامة هـي ضرورة تحمل المخاطرة كشرط لاستحقاق الربح.

17 – تحريم ربا الجاهلية:

جاءت نصوص القرآن الكريم بتحريم ربا الجاهلية تحريما قاطعا. ويشمل هـذا التحريم – في رأينا – الفائدة البسيطة والفائدة المركبة، كما يشمل القروض الإنتاجية والقروض الاستهلاكية.

ونفهم هـذا التحريم في إطار فهمنا لقاعدة النهي عن ربح ما لم يضمن (رقم 16 أعلاه) ولحرص الإسلام على الاحتفاظ للنقود بوظيفتها على حساب وظيفتها كسلفة (رقم 18 أدناه).

فالنقود وحدها لا تحقق ربحا، وغير قابلة للنماء، بل إنها قابلة للنقصان بأخذ الزكاة منها.

ولكنها بتعاونها مع العمل يحق لها أن نقتسم معه الربح كما في المضاربة... أما الربح والنماء فيأتي من عملية إنتاجية مباشرة في مجال الزراعة أو التجارة أو الصناعة... إلخ. [ ص: 130 ]

وبتحويل النقود إلى سلعة تدخل مجال الإنتاج وتحقق ربحا كما في البيع والإيجار.. أما الاقتصار على الاحتفاظ بها نقدا سائلا أو دينا في ذمة آخرين فلا يحقق بذاته ربحا أو نماء.

وهذا يستبعد تماما النشاط المالي بمفهمومه المعاصر؛ أي تحقيق ربح مقابل إقراض مال.

18 – النهي عن ربا الفضل:

إلى جانب ربا الجاهلية الذي حرمه القرآن والمتعلق بالقروض يوجد نوعان من الربا يتعلقان بالبيوع انفردت السنة بالنهي عنهما: ربا الفضل وربا النسيئة . والأحاديث الواردة في ذلك صحيحة، بعضها مشترك بين النوعين وبعضها مختص بكل منهما.

والنهي عن ربا الفضل يتعلق بعدم جواز بيع الأصناف الستة (الذهب والفضة والتمر والحنطة والشعير والملح) إلا مثلا بمثل يدا بيد.

وقد اختلف الفقهاء اختلافا كبيرا في تحديد علة التحريم في هـذه الأصناف، مما أدى إلى الاختلاف عند القياس عليها.

ونحن نختار رأي الظاهرية في عدم إلحاق أصناف أخرى بهذه الأصناف الستة في الحكم – لا على أساس نفي القياس كدليل شرعي كما يذهب الظاهرية؛ وإنما – على أساس أن الخلاف بين الفقهاء في تحديد العلة التي يتم القياس على أساسها قد بلغ من التفاوت حدا لا يمكن معه الاطمئنان إلى علة بذاتها، ويكون الاقتصار على هـذه الأصناف الستة أولى من تحريم غيرها بالقياس عليها دون دليل قطعي يطمأن إليه.

ومع ذلك فلنا في فهم حكمة تحريم ربا الفضل رأي نلخصه فيما يلي:

إن تحريم التفاوت في مبادلة الأصناف بعضها ببعض مع ما قد يكون بينها من فروق في القيمة، مبنية على فروق في الصفة تبرر هـذا التفاوت إنما قصد به – والله أعلم – الحرص على ضبط الثمنية بنسبة كل جنس إلى النقود لا إلى الجنس المراد مبادلته به، وتتأكد هـذه الحكمة في النقدية؛ فإن تحريم التفاوت [ ص: 131 ] في مبادلة الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وإهدار ما قد يكون في بعضها من قيمة زائدة نتيجة الصياغة في الذهب والفضة مثلا إنما قصد به تأكيد وظيفتها النقدية على حساب وظيفتها كسلعة. أما مبادلة الفضة بالذهب فالتفاوت طبيعي وجائز لاختلاف قيمة المعدنين.

(هـ) أجل دفع الثمن أو العوض:

19 – النهي عن تأجيل دفع الثمن أو العوض في بعض الأنواع (ربا النسيئة):

نشير هـنا إلى النصوص الخاصة بالربا التي أشرنا إليها في المبحث السابق، ونؤكد على رأينا السابق شرحه في عدم إلحاق أصناف أخرى بالأصناف الستة في الحكم:

أولا: مبادلة صنف من الأصناف الأربعة بأحد النقدين (الذهب والفضة):

حرمت النسيئة هـنا لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (السابع) لا حرصا على انضباط الأثمان؛ إذ الانضباط قائم طالما أن الثمن بالنقود، ولا تجنبا لزيادة الثمن مقابل تأجيل دفعه؛ إذ تحريم النسيئة قائم حتى لو تساوى ثمن السلعة الحاضر بثمنها المؤجل؛ وإنما بصفة أساسية حرصا على استبعاد التعامل بالدين في أقوات الناس، ودفع الأفراد والحكومات إلى توفير الحد الأدنى من الدخول اللازمة لحصول الناس على أقواتهم اليومية دون الوقوع في التعامل بالدين في هـذه الأصناف.

ثانيا: مبادلة صنف من الأصناف الأربعة بنفس جنسه أو بأحد الأصناف الثلاثة الأخرى: حرمت النسيئة هـنا بالإضافة إلى ما سبق تجنبا لأن تكون الفروق في القيمة بين البدلين – نتيجة لاختلاف الصفة – تعويضا عن تأجيل تسليم البدل الآخر.

وفي هـذا التحريم – القاصر على هـذه الأصناف في رأينا – استثناء من جواز تقاضي مقابل عن تأجيل دفع الثمن أو العوض في غير هـذه الأصناف كما سنرى في المبحث القادم. [ ص: 132 ]

ثالثا: مبادلة الذهب بالفضة سواء أكان أحدهما قيميا أو كان من المثليات:

حرمت النسيئة هـنا بسبب أن تسليم نقد حاضر مقابل نقد آجل مخالف في الجنس يحتمل أن يشتمل على زيادة مقابل الأجل، وهذا هـو عين ربا القرض الجاهلي الذي حرمه القرآن.

رابعا: مبادلة الذهب بالذهب (أو الفضة بالفضة) إذا كان أحد البدلين من القيميات:

حرمت النسيئة هـنا لاحتمال أن يكون فرق القيمة – نتيجة أن أحدهما الحاضر سبيكة والآخر الآجل مشغول مثلا – مقابل تأجيل الدفع.

خامسا: أما في حالة مبادلة ذهب سبيك بذهب سبيك أو ذهب تبر بذهب تبر أو نقود ذهبية بنقود ذهبية (أو فضة سبيكة أو تبر أو نقود، بفضة سبيكة أو تبر أو نقود) فإن هـذه المبادلة – لكونها من مثليات – لا تعتبر في حالة النسيئة بيعا، بل هـي قرض يرد مثله عند حلول الأجل دون زيادة في الوزن (مع اشتراط التساوي في العيار وباقي الصفات التي تجعله من المثليات).

وهذه الحالة الخامسة – رغم دخولها في عموم النصوص الخاصة بتحريم ربا النسيئة – إلا أنها مفردة بحكم الجواز جمعا بين النصوص الخاصة بالقرض والنصوص الخاصة بربا النسيئة.

20 – زيادة الثمن نظير زيادة الأجل:

إذا استثنينا الأصناف الستة التي لا يجوز فيها تأجيل أحد البدلين كما سبق البيان، فإن باقي السلع يجوز فيها تأجيل دفع الثمن.

والبحث الذي يثور هـنا – في حالة تأجيل دفع الثمن – يتعلق بجواز أن يكون الثمن في حالة التأجيل أعلى منه في حالة الدفع الفوري.

وقد ذهب إلى الجواز الأحناف والشافعية وزيد بن علي والمؤيد بالله وجمهور الفقهاء لعموم الأدلة القاضية بجوازه، ورجحه الشوكاني وكتب في ذلك رسالة خاصة بعنوان: (شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد [ ص: 133 ] الأجل). (فقه السنة: ج 3, ص 43، نيل الأوطار: ج 5، ص 249 – 250).

ونحن نأخذ برأي الجمهور في هـذه المسألة.

21 – جواز الحط من الثمن نظير تعجيل الدفع أو (ضعوا وتعجلوا):

إذا كان الثمن أو الدين مؤجلا، يثور البحث عن جواز وضع قدر من الثمن أو الدين نظير التعجيل بالقضاء قبل الأجل المتفق عليه.

كره ذلك زيد بن ثابت وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم وإسحاق وأبو حنيفة والشافعي ومالك والثوري وهشيم وابن علية .

ويرى ابن عباس وزفر جوازه؛ لما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا: يا نبي الله، إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل، ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوا وتعجلوا ) .

كما لم يره به بأسا النخعي وأبو ثور ؛ لأنه آخذ لبعض حقه تارك لبعضه فجاز؛ كما لو كان الدين حالا.

كما لم ير به بأسا ابن حزم إن كان من غير شرط؛ لكن أحدهما سارع إلى الخير في أداء ما عليه؛ فهو محسن، وآخر سارع إلى الإبراء من حقه؛ فهو محسن، قال الله عز وجل:

( ( وافعلوا الخير ) ) ( الحج : 77 ) وهذا كله خير.

(المغني لابن قدامة: ج 4، ص 174، 175، وفقه السنة: ج 3، 187، والمحلى: ج 8، ص 83 – 84).

ونحن نأخذ برأي ابن عباس وزفر والنخعي وأبي ثور في هـذه المسألة.

22 – استحباب إنظار المعسر ومطل الغني ظلم:

ورد في القاعدة الأولى قول الله سبحانه: ( ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ) ) (البقرة:280).

فإنظار المعسر من قواعد المعاملات الإسلامية، أما غير المعسر فالقاعدة [ ص: 134 ] التي تحكم وفاءه بالتزاماته هـي:

1 – ما رواه أبو هـريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ) . (أي إذا أحيل على غنى فليقبل الحوالة) رواه الجماعة.

2 – وما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مطل الغني ظلم، وإذا أحلت على مليء فاتبعه ) رواه ابن ماجة . وقد أخرجه أيضا الترمذي وأحمد .

والمراد بالمطل هـنا – كما جاء في الفتح – تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر.

وقد اختلف: هـل المطل مع الغنى كبيرة أم لا؟ وقد ذهب الجمهور إلى أنه موجب للفسق. واختلفوا: هـل يفسق بمرة أو يشترط التكرار؛ وهل يعتبر الطلب من المستحق أم لا؟

قال في (الفتح): وهل يتصف بالمطل من ليس القدر الذي عليه حاضرا عنده؛ لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا؟ أطلق أكثر الشافعية عدم الوجوب وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا، وفصل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصي به فيجب، وإلا فلا. يقول الشوكاني : والظاهر الأول، لأن القادر على الكسب ليس بمليء، والوجوب إنما هـو عليه فقط؛ لأن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية (نيل الأوظار: ج 5، ص 356 – 366).

3 – وعن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته ) رواه الخمسة إلا الترمذي . قال أحمد : قال وكيع ؛ عرضه: شكايته، وعقوبته: حبسه، وروى البخاري والبيهقي عن سفيان مثل التفسير الذي رواه المصنف عن أحمد عن وكيع.

والحديث أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وابن حبان وصححه.

واللي: المطل، والواجد: الغني (فقه السنة: ج 3، ص 186).

واستدل بالحديث على جواز حبس من عليه الدين حتى يقبضه إذا كان قادرا على القضاء؛ تأديبا له وتشديدا عليه؛ لا إذا لم يكن قادرا؛ لقوله: «الواجد» فإنه يدل على أن المعسر لا يحل عرضه ولا عقوبته، وإلى جواز الحبس للواجد [ ص: 135 ] ذهب الحنفية وزيد بن علي ، وقال الجمهور: يبيع عليه الحاكم. (نيل الأوطار: ج 5، ص 361).

وفي رأينا أنه إذا كان هـذا هـو حكم الغني المماطل: - أن تردعه الدولة؛ سواء بالحبس أو بالبيع عليه إنصافا للدائن المضرور – ففي غياب الدولة التي تقوم بهذا الواجب يكون من حق الدائن الاحتياط لنفسه باشتراطه في عقده تعويضه عن المماطلة شرطا ملزما وفقا للقوانين الوضعية، ولا يكون ذلك من الربا؛ بل هـو تعويض عن الضرر الناتج عن تأخير المدين الموسر عن الوفاء. ويمكن أن يقدر التعويض في هـذه الحالة إما بما حققه المدين من ربح نتيجة استخدام مال الدائن بغير حق، وإما بما فات على الدائن من ربح بالمعدل الذي حققه في بقية أمواله (وهذا متيسر في حالة البنوك الإسلامية؛ إذ يؤخذ بمعدل الربح الإجمالي الذي تحقق).

التالي السابق


الخدمات العلمية