الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم (التقليد والاجتهاد - النظرية والتطبيق)

الدكتور / جمال الدين عطية

المبحث الرابع: من تطوير الحرفيين إلى تمويل القادرين

1 - يؤكد الأنموذج النظري على نقد مسلك البنوك التقليدية في النظام الرأسمالي حيث تقوم بتمويل الأغنياء ليزدادوا غنى؛ بينما الفقراء الذين هـم بحاجة إلى التمويل لا يحصلون على ما يلزمهم منه، ويقترح الأنموذج أن تقوم البنوك الإسلامية بتمويل صغار الحرفيين ورجال الإعمال لتطويرهم ورفع مستواهم بما يقرب الفوارق بين الطبقات..

تقول موسوعة البنوك الإسلامية (الجزء 1- ص: 5) في هـذا الصدد:

والبنك الإسلامي حين يمارس منح القروض الإنتاجية، إنما يسعى إلى تأكيد التوجيهات الروحية في إقرار دور العمل، وما يمكن أن يترتب على ذلك، وليوسع قاعدة العاملين الذين يستطيعون أن يقدموا إلى مجتمعهم إضافات كم هـو في حاجة إليها، وليضع رأس المال في موضعه الصحيح... حيث ينبغي أن يكون خادما ووسيلة يستطيع أن يجدها كل قادر على استثمارها والإفادة منها.. لا كل متخم يستطيع أن يشتريها ليزداد ثراء وشرها.

وتقول في موضع آخر (ص 15، 16): ويشتق هـذا النظام أهميته ودوره الاقتصادي والاجتماعي من طبيعة [ ص: 188 ] القطاع الذي من المفترض أن يتعامل معه البنك بل ويحتويه. وهذا القطاع نستطيع أن تتبين مدى اتساعه إذا علمنا انه يشتمل على أصحاب المهن الحرة والحرفيين والعاملين بأجر لدى غيرهم، مضافا إليهم خريجو بعض الكليات كالطب والصيدلة والزراعة وخريجو المعاهد الصناعية والفنية ومن في حكمهم فمن مسئولية البنك في ضوء أهدافه التي يلتزم بها المساهمة في فتح أفاق جديدة أمام هـؤلاء، تخفف من ضغط التدافع وراء طلب الوظيفة ذات الرزق المحدد، وتخدم المجتمع في الوقت نفسه اقتصاديا واجتماعيا.

ولما كان ظاهر هـذا النشاط أن البنك يقوم بمئات العمليات في التمويل الصغير لمئات المشروعات التي تختلف في طبيعتها وتنتشر في أماكنها، فان أول ما يقال فيه أنه نشاط قد يبدو صعب التحقيق نظريا، أو عسير التنفيذ؛ إذ كيف يمكن للبنك أن يتولى المحاسبة والمراقبة والمتابعة لهذه المشروعات المختلفة المنتشرة؟ وكيف يستطيع أن يضمن استرداد أمواله التي قدمها لتمويل هـذه المشروعات؟ وهذا الاعتراض صحيح وواقعي إلى حد كبير، ولكنه يزول تماما المشكلة إذا صاحب تنفيذ هـذا النشاط أمران:

أولهما: المحلية، وثانيهما: الضمان.

واستطردت الموسوعة في شرح عنصري المحلية وشكل الضمان بما تصورته كفيلا بتحاشي المشكلة.

2 - ورغم تنبه المخططين للبنوك الإسلامية لمخاطر هـذه السياسة، والاقتراحات سالفة الذكر؛ إلا أن الواقع العملي أقسى من أن تعالجه هـذه التدابير، والجهد والنفقة اللازمين لتنفيذها يشكلان عبئا كبيرا إذا أريد الاستمرار في هـذه السياسة؛ خاصة وأن أصحاب المهن الحرة والحرفيين لا يمسكون في الغالب حسابات منتظمة، ولم يتعودوا وجود شريك لهم يناقشهم الحساب بل ويتدخل بالرأي في إدارتهم [ ص: 189 ] لمشروعهم، هـذا إذا أحسنا الظن بهم، وإلا فان المشروعات الفردية غالبا ما يسهل عليها ((فبركة)) الحسابات للتهرب من الضرائب رغم ضخامة جهاز الضرائب وتشدده مع الممولين.

لذلك كان طبيعيا أن تأخذ معظم صور هـذا النوع من الاستثمارات طريقها إلى قائمة الديون المشكوك في تحصيلها، وما يستتبعه ذلك من عمل مخصصات لها من أرباح المشروعات الأخرى.

وكان طبيعيا أن تركز البنوك الإسلامية نشاطها مع الشركات الكبيرة المنتظمة والقادرة على تقديم ضمانات حقيقية، وهذا ما يعود بنا إلى الصورة التي حاولنا تجنبها وانتقدنا مسلك البنوك التقليدية فيها، وهي تمويل القادرين على تقديم الضمانات، والانصراف عن تمويل العاجزين عن تقديم الضمانات رغم حاجتهم الماسة إلى التمويل....

التالي السابق


الخدمات العلمية