الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم (التقليد والاجتهاد - النظرية والتطبيق)

الدكتور / جمال الدين عطية

المبحث الثالث: رقابة المودعين:

لا يوجد للمودعين في البنوك التقليدية أي دور رقابي؛ إذ إن علاقتهم بالبنك علاقة دائن بمدين، ولا يؤثر على المودع ما حققه البنك من ربح أو خسارة؛ إذ إن ذلك عائد إلى المساهمين؛ فهم إذن الذين يختارون مجلس الإدارة ومراقب الحسابات.

أما في البنك الإسلامي فإن المودعين يتأثرون بنتائج أعمال البنك ربحا وخسارة، واختيار مجلس الإدارة ومراقب الحسابات بواسطة الجمعية العامة [ ص: 74 ] للمساهمين يجعل المودعين بمنأى من رقابة العمل الذي يشاركون في نتائجه.

كما أن تقرير ما يحجز من الدخل – كمخصصات للديون المشكوك فيها أو المعدومة، أو لانخفاض قيمة الاستثمارات أو انخفاض عملاتها، وما يترتب على ذلك من نتائج؛ سواء كانت ربحا للتوزيع أو خسارة يخفض بها أصل الودائع – إنما يتم إقراره في الجمعية العامة للمساهمين، ويتأثر به مباشرة المودعون دون أن يكون لهم كلمة في هـذا المجال.

فإذا أخذنا في الاعتبار أن حجم الودائع قد بلغ في بعض البنوك الإسلامية خمسين ضعفا لحجم رأس المال تبين مدى أهمية الموضوع.

ولم يبدأ حتى الآن أي بنك إسلامي خطوة في هـذا الاتجاه.

غير أن القانون الباكستاني عند تعديله في 26/6/1980م. للسماح بإصدار شهادات المشاركة المؤقتة Participation Term Certificates قد أجاز لحملة هـذه الشهادات أن يعينوا أمينا Trustee مهمته التأكد من حسن إدارة العمل الذي تستثمر فيه أموال هـذه الشهادات، وله في سبيل ذلك حق التفتيش على السجلات وطلب المعلومات وزيارة مكان العمل.

كما نص القانون على تقديم مراقب الحسابات شهادة بأن أعمال شركة المضاربة تسير وفقا لأغراض وشروط المضاربة.

* والحل الذي نراه في هـذا الموضوع ذو شقين:

1 – الشق الأول يتعلق بالإعلام اللازم لتفاصيل أعمال البنك؛ إذ إن المودع في البنك التقليدي يحدد علاقته على أساس سعر فائدة يرتضيه مقدما، وعند نهاية الوديعة يجددها بناء على سعر جديد سار عند التجديد.

أما المودع في البنك الإسلامي فإنه يودع دون اطلاع على أحوال البنك الذي سيشارك في نتائجه، فليس أمامه سوى ميزانية العام السابق التي قد يتأخر نشرها عدة شهور بعد نهاية السنة المالية، ولا تمثل بالتالي حالة البنك المالية في الوقت الذي يودع فيه، بل إن المودع الذي أودع وديعة في الشهر الثالث لمدة سنة قابلة للتجديد لا يعرف في نهاية مدة وديعته الأولى ما حققته من ربح حتى [ ص: 75 ] يقرر – في ضوء ذلك – تجديدها أو سحبها، إذ إن نتيجة أعمال السنة السابقة إنما تظهر في الشهر الخامس أو السادس؛ بعد إنجاز الحسابات، واجتماع الجمعية العمومية التي يسمح القانون بعقدها حتى نهاية الشهر السادس، وهكذا لا يستطيع المودع اتخاذ قراره عن بينة هـذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى فإن البيان الذي يحصل عليه بعد إعلان الميزانية يقتصر ما سبب نقصان الأرباح ولا أين استثمرت أموال البنك... إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا يجد لها جوابا شافيا، ولو أنه وجد الجواب فإنه يتخذ قراره عن بينة، إما بالتجاوب مع البنك في خطته؛ بل قد يزيد ودائعه ويدعو غيره إلى الإيداع رغم ضآلة العائد إذا اقتنع بمبررات النتيجة، وإما بسحب وديعته.

لذلك فإن الشق الأول الذي نراه أن يفصح البنك في بياناته المالية المرفقة بالميزانية إلى أقصى حد ممكن في عملياته، موضحا بالجداول التحليلية حجم ودائعه موزعة حسب المدد والعملات والأنواع المختلفة من الودائع (جارية / توفيرا / عامة / مخصصة) وحجم استثماراته موزعة حسب المدد والعملات والقطاعات والبلدان.

كما يوضح سياسته الاستثمارية ونظامه المحاسبي والمشاكل التي يواجهها، وخطته لحلها.

ولا يقتصر ذلك على الميزانية السنوية، بل يصدر النشرات الإخبارية الدورية التي تتيح للمودعين معرفة أوضاعه أولا بأول.

2 – الشق الثاني يتعلق بسلطات المودعين النظامية، وهم – كما أشرنا – ليسوا مساهمين حتى يتمتعوا بحقوق المساهمين ويمارسوا سلطاتهم، وليسوا بالدائنين حتى يظلوا بمنأى عن إدارة البنك.

وإذا كانت القوانين تسمح بعقد جمعية عمومية لحملة السندات في الشركات المساهمة – وهم مجرد دائنين للشركة – فلماذا لا يكون للمودعين – وهم أصحاب مصلحة أكثر من الدائنين – وضعهم؟ [ ص: 76 ]

والذي نراه في هـذا الخصوص هـو أن يكون للمودعين حق حضور الجمعية العمومية للمساهمين، والمشاركة معهم في مناقشة الميزانية وحساب الأرباح والخسائر واختيار مراقب الحسابات دون مجلس الإدارة – الذي يختص باختياره المساهمون – على أن تكون ممارسة هـذا الحق ضمن الشروط التالية:

* أن يقتصر ذلك على من تزيد حجم وديعته عن قدر معين (100000 دولار مثلا)، وأن يزيد أجل وديعته عن مدة معينة (سنة مثلا).

* أن يكون لهم عند التصويت عدد من الأصوات يناسب حجم الوديعة؛ بحيث يكون كل صوت ممثلا لمبلغ مساو لعدة أضعاف قيمة السهم (فإذا كانت قيمة السهم الممثل صوت واحد مائة دولار يكون للمودع صوت واحد لكل خمسمائة دولار مثلا، أي خمسة أضعاف السهم).

فبهذه الصورة تحتفظ للمساهمين بوزن معقول في الجمعية العمومية، ولا نحرم المودعين أصحاب المصلحة الهامة من المشاركة برأيهم بشكل نسبي في القرارات المتعلقة بمصالحهم. [ ص: 77 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية