الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم (التقليد والاجتهاد - النظرية والتطبيق)

الدكتور / جمال الدين عطية

الباب الأول: بين الحرية والتنظيم [ ص: 17 ]

كان التصريح بتأسيس بنك دبي الإسلامي (عام 1975م) ثم بنكي فيصل السوداني والمصري (1977م) استجابة للمد الإسلامي الشعبي الصادر الذي تكرر حدوثه والاستجابة له في بلاد إسلامية أخرى بصور متنوعة، وإن كانت تجمع معظم هـذه البنوك ظاهرة هـامة هـي في ظاهرها تحرر من القيود التي تخضع لها المؤسسات المماثلة، ولكن لها في الحقيقة مبرراتها التي سنشير إليها بعد قليل.

كانت هـذه الاستجابات الحكومية خليطا من إتاحة الفرصة لبعض المواطنين – الذين لا يتعاملون مع النظام المصرفي السائد، أو يتعاملون مع اضطرارا – كي يمارسوا نظاما مصرفيا يتفق مع معتقداتهم، وكانت في الوقت نفسه تجربة لهذا النظام الذي كانت السلطات الحكومية المختصة (البنوك المركزية على وجه الخصوص) غير مقتنعة به؛ بل وغير متبينة لمعالمه وتفاصيله، وكأن لسان حالهم يقول: إن نجحت التجربة توسعنا فيها وكان لنا على كل حال فضل السبق بالتصريح بها، وإن كانت الأخرى كانت تأكيدا لسلامة النظام المصرفي السائد، ومبررا إضافيا لتمسكنا به. لذلك – ونظرا للتناقض الواضح بين أسس النظامين – حيث إن أحدهما يقوم على ضمان حق المودعين [أصل الوديعة ودخلها] بينما يقوم الثاني على انعدام الضمان ومشاركة المودعين للبنك ربحا وخسارة فقد كان ضروريا أن تعفى هـذه البنوك الناشئة من القواعد التي تحكم البنوك الأخرى، ولم يتبادر إلى ذهن السلطات المختصة أهمية وضع قواعد بديلة تناسب النظام الجديد؛ فكان الإعفاء كاملا؛ من القواعد ومن رقابة السلطات الحكومية معا.

ولو اقتصر الأمر على هـذين الإعفائين لكان هـذا في ذاته عصرا ذهبيا لهذه المؤسسات؛ ولكن الظروف كانت مواتية لدرجة أنه قد امتدت الإعفاءات إلى قوانين النقد الأجنبي والضرائب على النحو الذي سنشير إليه، مما أثار حفيظة البنوك التقليدية التي وجدت فيه منافسة غير مشروعة لها، وازدادت وطأة هـذا الشعور حين تدفقت الودائع على البنوك الناشئة بصورة غير طبيعية، واستمر [ ص: 18 ] تزايدها بنسب بلغ معدل الزيادة في إجمالي أرصدة الميزانية التجميعية لاثني عشر بنكا إسلاميا في سنة 1983م عنه في سنة 1982م [49.1%] بينما كان معدل الزيادة على مستوى البنوك التقليدية 19.9% في الفترة نفسها. قياسية فتحركت البنوك التقليدية مطالبة السلطات المعاملة بالمثل؛ إما بسحب هـذه الإعفاءات من البنوك الإسلامية أو بإعطائها مثيلا لها؛ وبذلك بدأت حركة الجزر لهذا العصر الذهبي. وأخذ الجزر اتجاهين:

1 – إجراءات فردية في بعض البلاد تم بموجبها إلغاء بعض هـذه الإعفاءات أو كلها.

2 – محاولة مشتركة على صعيد البنوك المركزية للدول الإسلامية لتنظيم أنشطة البنوك الإسلامية.

وأيا كانت مبررات الإعفاءات أو مبررات إنهائها، فقد بدأت مرحلة جديدة في حياة البنوك الإسلامية تتسم – من هـذا الجانب – بأمرين:

1 – بدء تبلور قواعد مصرفية حاكمة لنشاط البنوك الإسلامية.

2 – بدء تبلور أجهزة ووسائل الرقابة على أنشطة البنوك الإسلامية.

بحيث يمكن القول بأن مرحلة الحرية – من القواعد والرقابة معا – التي تمتعت بها في بدء نشأتها قد أخذت تسلم الزمام لمرحلة جديدة من التنظيم والرقابة سنعرض لملامحها فيما بعد.

ونبدأ في فصل أول باستعراض الإعفاءات ومبرراتها، ثم مبررات إنهائها في كل بنك إسلامي.

ثم نوضح في فصل ثان مختلف أجهزة ووسائل الرقابة التي تخضع لها البنوك الإسلامية.

وأخيرا نوضح في فصل ثالث القواعد المصرفية التي تبلورت أو في سبيلها إلى التبلور والخاصة بالبنوك الإسلامية. [ ص: 19 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية