الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5975 [ ص: 347 ] ص: والدليل على صحة ذلك أيضا ما قد روي عن رسول الله -عليه السلام-.

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: ثنا أبي ، قال: ثنا أبو يوسف ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عروة ، عن عروة بن الزبير أن رسول الله -عليه السلام- قال: " من أحيى أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق " . .

                                                5976 قال عروة: فلقد حدثني هذا الرجل الذي قد حدثني بهذا الحديث: "أنه قد رأى نخلا يقطع أصولها بالفئوس".

                                                5977 وحدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو عمر الضرير ، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عروة ، عن أبيه ، عن رجل من بني بياضة: " أن رسول الله -عليه السلام- قد أمر بقطع النخل المغروس في غير حق بعدما قد نبت في الأرض، ولم يجعل ذلك لأرباب الأرض، فيوجب عليهم غرم ما أنفق فيه".

                                                فدل ذلك أن الزرع المزروع في الأرض أحرى أن يكون كذلك، وأن يقلع ذلك فيدفع إلى صاحب الزرع، كالنخل التي قد ذكرناها؛ إلا أن يشاء صاحب الأرض أن يمنع ذلك ويغرم له قيمة الزرع والنخل منزرعين مقلوعين، فيكون له ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي الدليل على صحة ما ذكرنا من معنى الحديث المذكور على الوجه الذي شرحناه: ما قد روي عن النبي -عليه السلام-.

                                                أخرجه من طريقين رجالهما ثقات.

                                                الأول: مرسل: عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن أبيه شعيب بن سليمان صاحب محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، عن محمد بن إسحاق المدني ، عن يحيى بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، أن رسول الله -عليه السلام-.

                                                [ ص: 348 ] وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث ابن إسحاق ، عن يحيى بن عروة ، عن أبيه، قال رسول الله -عليه السلام-: " من أحيا أرضا ميتة لم تكن لأحد قبله فهي له، وليس لعرق ظالم حق ، فلقد حدثني صاحب هذا الحديث أنه أبصر رجلين من بياضة يختصمان إلى رسول الله -عليه السلام- في أجمة لأحدهما، غرس فيها الآخر نخلا، فقضى رسول الله -عليه السلام- لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله عنه، قال: فلقد رأيته يضرب في أصول النخل بالفئوس، وإنه لنخل عم". قال يحيى بن آدم: العم، قال بعضهم: الذي ليس بالقصير ولا بالطويل. وقال بعضهم: العم: القديم. وقال بعضهم: الطويل. وروي عن أبي إسحاق قال: العم: الشباب.

                                                وأخرجه أبو داود: حدثنا هناد السري، قال: ثنا عبدة ، عن محمد -يعني: ابن إسحاق- عن عروة ، عن أبيه، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق، قال: ولقد أخبرني الذي حدث أن رجلين اختصما إلى رسول الله -عليه السلام-، غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر، فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، قال: فلقد رأيتها وإنها تضرب أصولها بالفئوس، وإنها لنخل عم، حتى أخرجت منها".

                                                وقال: ثنا أحمد بن سعيد الدارمي، قال: ثنا وهب ، عن أبيه، عن ابن إسحاق، بإسناده ومعناه، إلا أنه قال عند قوله: "فكان الذي حدثني هذا"، "فقال رجل من أصحاب النبي -عليه السلام-وأكبر ظني أنه أبو سعيد الخدري-: فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل".

                                                [ ص: 349 ] الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عروة ، عن أبيه، عن رجل من بني بياضة، عن رسول الله -عليه السلام-.

                                                وأخرجه [..].

                                                قوله: "وليس لعرق ظالم حق" الرواية بالتنوين في قوله: "لعرق"، وهو على حذف المضاف، أي: وليس لذي عرق ظالم، فجعل العرق نفسه ظالما، والحق لصاحبه، أو يكون الظالم من صفة صاحب الحق، وإن روي "عرق" بالإضافة فيكون الظالم صاحب الحق، والحق للعرق، وهو أحد عروق الشجرة، ومعناه: أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله، فيغرس فيها غرسا غصبا يستوجب به الأرض.

                                                قوله: "بالفئوس" بضم الفاء جمع فأس وهو الذي يشق به الحطب.

                                                قوله: "وإنه لنخل عم" بضم العين وتشديد الميم، أي: تامة في طولها والتفافها، وهو جمع عميمة، فلما جمع قيل: عمم، فسكن وأدغم.




                                                الخدمات العلمية