الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                ص: ولما اختلفوا في ذلك أردنا أن ننظر فيما سوى هذا الحديث من الأحاديث، هل فيه ما يدل على أحد القولين اللذين ذكرناهما؟ فنظرنا في ذلك، فإذا إبراهيم [ ص: 504 ] بن محمد الصيرفي قد حدثنا، قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: ثنا حماد ، عن حميد ، عن أنس - رضي الله عنه - قال: " نهى رسول الله -عليه السلام- عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد".

                                                فدل على إباحة بيعه بعدما يشتد وهو في سنبله؛ لأنه لو لم يكن كذلك لقال حتى يشتد ويرى في سنبله، فلما جعل العلة في البيع المنهي عنه هي شدته ويبوسته؛ دل ذلك أن البيع بعد ذلك بخلاف ما كان عليه في البدء.

                                                فلما جاز بيع الحب المغيب في السنبل الذي لم يينع دل هذا على جواز بيع ما لم يره المتبايعان إذا كانا يرجعان إلى معلوم كما يرجعان في الحنطة المبيعة المغيبة في السنبل إلى حنطة معلومة، فأولى الأشياء بنا في مثل هذا إذا كنا قد وقفنا على تأويل هذا الحديث واحتمل الحديث الآخر موافقته أو مخالفته؛ أن نحمله على موافقته لا على مخالفته.

                                                7324 وقد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب في تفسير الملامسة والمنابذة قال: "كان القوم يتبايعون السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها، والمنابذة أن يتنابذ القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها؛ فهذا من أبواب القمار".

                                                7325 حدثنا يونس، ، قال: أنا ابن وهب، ، قال: أخبرني يونس، ، عن ربيعة قال: "كان هذا من أبواب القمار، فنهى عنه رسول الله -عليه السلام-".

                                                فهذا الزهري وهو أحد من روي عنه هذا الحديث قد أجاز للرجل أن يشتري ما قد أخبر عنه، وإن لم يكن عاينه، ففي ذلك دليل على جواز ابتياع الغائب.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي ولما اختلف أهل المقالة الأولى، وأهل المقالة الثانية في الحكم المذكور أردنا أن ننظر هل نجد حديثا غير هذا الحديث المذكور؛ يدل على صحة أحد القولين؟ فنظرنا في ذلك فوجدنا حديث أنس - رضي الله عنه - يدل على صحة ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.

                                                [ ص: 505 ] أخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن محمد الصيرفي المصري شيخ أبي القاسم البغوي ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، عن أنس .

                                                وأخرجه الطحاوي بهذا الإسناد بعينه في باب: "بيع الثمار قبل أن تتناهى".

                                                وأخرجه البيهقي نحوه، وقد ذكرناه هناك مستوفى.

                                                ووجه استدلالهم بهذا قد بينه مشروحا.

                                                قوله: "الذي لم يينع" من ينع الثمر يينع وأينع يونع فهو يانع ومونع: إذا أدرك ونضج، وأينع أكثر استعمالا.

                                                قوله: "وقد حدثنا يونس ...إلى آخره".

                                                أخرجه من طريقين صحيحين شاهدا لصحة ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية من التأويل الذي أولوه:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري .

                                                والثاني: عن يونس أيضا نحوه، ولكن عن ربيعة الرأي شيخ مالك -رحمه الله-، والباقي ظاهر.




                                                الخدمات العلمية