الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6481 ص: فإن قال قائل: فقد رويت في هذا الباب عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما ذكرت من حديث عمرو بن ميمون وغيره. وقد روي عنه خلاف ذلك، فذكر ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو اليمان ، قال: أنا شعيب ، عن الزهري، قال: حدثني السائب بن يزيد: " ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج فصلى على جنازة، ثم أقبل على القوم فقال لهم: إني وجدت آنفا من عبيد الله بن عمر ريح شراب، فسألته عنه فزعم أنه طلاء، وإني سائل عنه فإن كان يسكر جلدته. قال: ثم شهدت عمر - رضي الله عنه - بعد ذلك جلد عبيد الله ثمانين في ريح الشراب الذي وجد منه".

                                                6482 حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن ابن شهاب ، عن السائب بن يزيد : "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، ، وأنا سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر - رضي الله عنه - الحد تاما".

                                                قال: فهذا عمر قد حد في الشراب الذي يسكر، فهذا مخالف لما رويتم عن عمرو بن ميمون وغيره، عنه.

                                                قيل له: ما هذا مخالف لذلك؛ لأن عمر - رضي الله عنه - قال في هذا الحديث: "وأنا سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته" فقد يحتمل أن يكون أراد بذلك المقدار الذي شرب. أي فإن كان ذلك المقدار يسكر فقد علمت أنه قد سكر ووجب الحد عليه، وهذا أولى ما حمل عليه تأويل هذا الحديث حتى لا يضاد ما سواه من الأحاديث التي قد رويت عن عمر - رضي الله عنه -.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا السؤال مثل الاعتراض من أهل المقالة الأولى. وهو وجوابه ظاهران.

                                                وخرج الأثر المذكور عن عمر من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي اليمان الحكم بن نافع شيخ [ ص: 121 ] البخاري ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن السائب بن يزيد بن سعيد الكندي الصحابي - رضي الله عنه -.

                                                وقد أخرج الطحاوي هذا في باب "حد الخمر" عن فهد بن سليمان ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن السائب بن يزيد .

                                                الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن السائب بن يزيد .

                                                وأخرجه مالك في "موطئه".

                                                قوله: "طلاء" بالمد، وقد مر تفسيره مستوفى.

                                                وقد احتج مالك بهذا على وجوب الحد بوجود رائحة الخمر. وهو رواية عن أحمد .

                                                وقال ابن قدامة: ولا يجب الحد بوجود رائحة الخمر من فيه في قول أكثر أهل العلم، منهم: الثوري وأبو حنيفة ، والشافعي. وروى أبو طالب عن أحمد أنه يحد بذلك. وهو قول مالك؛ لأن ابن مسعود - رضي الله عنه - جلد رجلا وجد منه رائحة الخمر، وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "إني وجدت من عبيد الله ريح شراب، فأقر أنه شرب الطلاء، فقال عمر: إني سائل عنه، فإن كان يسكر جلدته". ولأن الرائحة تدل على شربه، فجرى مجرى الإقرار.

                                                والأول أولى؛ لأن الرائحة يحتمل أن تمضمض بها أو حسبها ماء، فلما صار في فيه مجها، أو ظنها لا تسكر، أو كان مكرها، أو أكل نبقا بالغا، أو شرب شراب التفاح فإنه يكون منه كرائحة الخمر، وإذا احتمل ذلك لم يجب الحد الذي يدرأ بالشبهات.

                                                والحديث حجة لنا؛ فإن عمر - رضي الله عنه - لم يحده بوجود الرائحة، ولو وجب ذلك لبادر إليه عمر - رضي الله عنه -.




                                                الخدمات العلمية