الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6079 ص: وقد روي عن أصحاب رسول الله -عليه السلام- في ذلك أيضا ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال: ثنا القعنبي، قال: ثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار: " أن ثابت بن الضحاك وجد بعيرا، فقال له عمر : - رضي الله عنه -: عرفه، فعرفه ثلاث مرار ، ثم جاء إلى عمر . - رضي الله عنه - فقال: قد شغلني عن ضيعتي، فقال عمر : - رضي الله عنه -: انزع خطامه ثم أرسله حيث وجدته.

                                                6080 وحدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن يحيى بن سعيد ... فذكر مثله، وزاد: "أن ثابت بن الضحاك ، حدثه أنه وجد بعيرا على عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -".

                                                6081 حدثنا يونس، قال: أنا أنس، قال: ثنا يحيى، قال: سمعت سليمان بن يسار، فذكر بإسناده مثله.

                                                فهذا عمر - رضي الله عنه - قد حكم للضالة بحكم اللقطة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أخرج ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي شيخ الشيخين وأبي داود ، عن مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سليمان بن يسار الهلالي المدني، أن ثابت بن الضحاك بن أمية الأنصاري الصحابي...إلى آخره.

                                                [ ص: 417 ] وأخرجه مالك في "موطئه".

                                                الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ...إلى آخره.

                                                وأخرجه مالك: عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار، أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره: "أنه وجد بالحرة بعيرا فعقله، ثم ذكره لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فأمره عمر بن الخطاب أن يعرفه ثلاث مرات، فقال له ثابت: إنه قد شغلني عن ضيعتي، فقال له عمر: أرسله حيث وجدته".

                                                الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى أيضا، عن أنس بن عياض ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ...إلى آخره.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث يزيد بن هارون، أنا يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، عن ثابت بن الضحاك: "أنه وجد بعيرا، فأتى به عمر - رضي الله عنه -، فأمره أن يعرفه، ثم إنه رجع إلى عمر - رضي الله عنه - فقال: إنه قد شغلني عن عملي، فقال له: اذهب فأرسله من حيث أخذت".

                                                وقال البيهقي: ليس فيه ما يدل على سقوط الضمان عنه إذا أرسلها فهلكت.

                                                وقال الذهبي في "مختصر السنن": هو دال على إرسال البعير الذي ليس له أن يلتقط؛ لأنه معه سقاؤه وحذاؤه حتى يلقاه صاحبه.

                                                قلت: في كلا القولين نظر؛ أما قول البيهقي فإنه أطلق القول في ذلك وهو على التفصيل، وهو أنه إذا أخذ اللقطة ولم يبرح عن ذلك المكان حتى وضعها في موضعها أو كانت ضالة فأرسلها في موضعها، لا ضمان عليه إذا هلكت، وأما إذا ذهب بها عن ذلك المكان ثم عاد ووضعها أو أرسلها فإنه يضمن.

                                                فإن قلت: كلام البيهقي مبني على مذهب إمامه، فإن إمامه قال: يضمن مطلقا سواء ذهب عن ذلك المكان أو لم يذهب؛ لأنه لما أخذها عن مكانها فقد التزم حفظها [ ص: 418 ] بمنزلة قبول الوديعة، فإذا ردها إلى مكانها فقد ضيعها بترك الحفظ الملتزم.

                                                قلت: حديث عمر - رضي الله عنه - حجة عليه في هذا الإطلاق، والصحيح التفصيل، وذلك لأنه إذا لم يذهب بها لم يكن متعديا فلا ضمان عليه إذا هلكت؛ لأنه كان متبرعا في أخذها ليحفظها، فإذا ردها إلى مكانها فقد فسخ التبرع من الأصل، فصار كأنه لم يأخذها أصلا، بخلاف ما إذا ذهب بها ثم ردها لأنه حينئذ يصير متعديا، فيجب عليه الضمان.

                                                وأما قول الذهبي فغير صحيح؛ لأنه لو كان الإرسال واجبا عليه لعدم جواز التقاط الضالة لكان عمر - رضي الله عنه - أمره بالإرسال في الأول، ولم يأمره بالتعريف، فحيث أمره بالتعريف دل على جواز التقاط الضالة، ودل أيضا أن حكم الضالة كحكم اللقطة، وأنهما سواء.




                                                الخدمات العلمية