الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
8366 - قال الشافعي : وقد روى ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل بخمسة أواق من معدن: فلم يأخذ منها شيئا " .

8367 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا ابن أبي حاتم قال: حدثنا أبو زرعة قال: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الله بن نافع قال: حدثنا ابن أبي ذئب ، عن المقبري [ ص: 166 ] ، عن أبي هريرة : أن رجلا جاء بخمسة أواق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت هذا من معدن، فخذ منه الزكاة قال: "لا شيء فيه" ورده.

8368 - هذا موصول، وشاهده ما، أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال: حدثنا أحمد بن منصور قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر ، عن إسماعيل بن أمية ، عن المقبري قال: أحسبه، عن أبي هريرة ، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقطعة فضة، فقال: خذ مني زكاتها قال: قال: "من أين جئت بها؟" قال: من معدن قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "لا بل نعطك مثل ماجئت به، ولا ترجع إليه" .

8369 - قال أحمد : ليس في هذا مقدار ما جاء به، وفيه ما دل على أنه لم يأخذ منها شيئا، وفيه النهي، عن الرجوع إليه.

8370 - وكأنه أحب التنزه عنه، لما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ستكون معادن يكون فيها من أشرار خلق الله" .

8371 - قال الشافعي : وهذا خلاف رواية عبد الله بن سعيد ، عن أبيه، عن جده، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منها شيئا، ولو كان فيها شيء لأخذه.

8372 - قال أحمد : وهذا على قوله في رواية أبي عبد الرحمن والبويطي عنه: أن الحول شرط في وجوب الزكاة فيه [ ص: 167 ] .

8373 - وأجاب في هذه الرواية، عن قولهم: قد تقول العرب: قد أركز المعدن فإن قال: إنما تقول له ذلك إذا انقطع ما فيه، ولا تقول له وهو ينال منه، وأنت تزعم أنه في حال نيله مركز، والعرب لا تسميه في تلك الحالة مركزا.

8374 - وأجاب عنه في رواية الزعفراني، بأن قال: إنما يقال: أركز المعدن عند البدرة المجتمعة المعادن، قيل: قد أركز، وقاله فيما يوجد في البطحاء في أثر المطر، وجعله ركازا، دون ما وصفت مما لا يوصل إليه إلا بتحصيل، وطحن كان مذهبا.

8375 - فلو كان، يقول: لا يخمس إلا إذا قيل: أركز المعدن، كان قد ذهب إلى ضعيف من القول أيضا.

8376 - وذلك أنه قد يقال للرجل: يوهب له الشيء، وللرجل مركزا زرعه، وللرجل يأتيه في تجارته أكثر مما كان يأتيه، ومن ثمره أكثر مما كان يأتيه، أركزت، فإن كان باسم الركاز اعتل، فهذا كله وأكثر منه يقع عليه اسم الركاز، وإن كان بالخبر، فالخبر على دفن الجاهلية.

8377 - فاعتل بحديث رواه يعني عبد الله المقبري وهو عند أهل العلم ضعيف الحديث.

8378 - واعتل بأن أسامة بن زيد ، أو هشام بن سعد ، أخبره، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: كيف يرى في المتاع يوجد في الطريق الميتاء، أو القرية المسكونة قال: "عرفه سنة، فإن جاء [ ص: 168 ] صاحبه، وإلا فشأنك به، وما كان في الطريق غير الميتاء، والقرية غير المسكونة، ففيه وفي الركاز الخمس"، قالوا: يا رسول الله كيف ترى في ضالة الإبل؟ قال: "ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، تأكل الكلأ، وترد الماء" ، قالوا: يا رسول الله كيف ترى في ضالة الغنم؟ قال: "لك أو لأخيك أو للذئب، فاحتبس على أخيك ضالته" قال: يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل؟ قال: "فيها عزامتها، ومثلها معها، وجلدات نكال" ، وذكر الثمر المعلق بقريب من هذا المعنى.

8379 - أخبرناه يحيى بن إبراهيم قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: أخبرنا ابن عبد الحكم قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني هشام بن سعد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو ، فذكر معناه.

8380 - قال: الشافعي : فإن كان حديث عمرو يكون حجة، فالذي روى الحجة عليه في غير حكم.

8381 - وإن كان حديث عمرو غير حجة، فالحجة، بغير حجة جهل [ ص: 169 ] .

8382 - روى في حديث عمرو الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل، عن الثمر المعلق ، فقال: "غرامته ومثله معه، وجلدات نكال، فإذا آواه الجرين، ففيه القطع" .

8383 - وهو قول غرامته فقط، وليس مثله معه، ويقول: لا يقطع فيه إذا آواه الجرين رطبا، والجرين يومه رطبا، وروى في ضالة الإبل غرامتها، ومثلها معها، ويقول: غرامتها وحدها بقيمة واحدة لا مضاعفة.

8384 - وروى في اللقطة: "يعرفها، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنه بها" .

8385 - وهو يقول: إذا كان موسرا لم يكن له أن يأكلها، ويتصدق بها، فخالف حديث عمرو الذي رواه في أحكام اللقطة، واحتج منه بشيء واحد إنما هو توهم في الحديث، فإن كان حجة في شيء فليقل به فيما تركه فيه.

8386 - قال أحمد : قوله: إنما هو توهم يشبه أن يكون أراد: أنه ليس بمنصوص عليه في موضع النزاع، وقد يكون المراد به ما يوجد من أموال الجاهلية ظاهرا فوق الأرض في الطريق غير الميتاء، والقرية غير المسكونة، فقال: فيه وفي الركاز الخمس.

8387 - قلت: قد حكى محمد بن إسماعيل البخاري مذهب مالك والشافعي : في الركاز، والمعدن في كتاب الزكاة من الجامع، فقال: وقال مالك ، وابن إدريس يعني الشافعي : الركاز: دفن الجاهلية، في قليله وكثيره الخمس، وليس المعدن بركاز.

8388 - ثم حكى عن بعض الناس: أن المعدن ركاز من دفن الجاهلية، لأنه يقال: أركز المعدن إذا خرج منه شيء.

8389 - ثم أجاب عنه بجواب الشافعي وبيانه وقوع هذا الاسم على من وهب له شيء أو ربح ربحا كثيرا أو كثر ثمره [ ص: 170 ] .

8390 - ومن نظر فيه ونظر في كلام الشافعي علم أن البخاري أخذه من كتاب الشافعي رحمة الله عليهما.

[ ص: 171 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية