الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
8779 - وبإسناده قال: حدثنا الشافعي ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن إسماعيل بن عبد الله ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، وإن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، فما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة " [ ص: 297 ] ، أخرجه البخاري في الصحيح من حديث يزيد بن جابر ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أم الدرداء .

8780 - أخبرنا أبو عبد الله قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي فيما تكلم به على هذه الأخبار: فقلت له في قول الله عز وجل: ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ، إلى قوله: ( أيام أخر ) ، إنها آية واحدة، وليس من أهل العلم بالقرآن أحد يخالف في أن الآية الواحدة كلام واحد، وأن الكلام الواحد لا ينزل إلا مجتمعا متتابعا، لأن معنى الآية معنى قطع الكلام قال: "أجل".

8781 - قلت: فإذا صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان يعني في السفر، وفرض شهر رمضان إنما أنزل في الآية، أليس قد علمنا أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصة؟ قال: "بلى".

8782 - قلت له: ولو لم يبق شيء يعرض في نفسك إلا الأحاديث؟ قال: " نعم، ولكن الآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليس الفطر بمعنى نسخ الصوم، واختيار الفطر على الصوم؟ ألا ترى أنه يأمر الناس بالفطر، ويقول: "تقووا لعدوكم" ويصوم، ثم يخبر بأنهم أو بعضهم أبى أن يفطر إذ صام، فأفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفطر من تخلف عن [ ص: 298 ] الفطر لصومه، كما صنع عام الحديبية ، فإنه أمر الناس أن ينحروا ويحلقوا، فأبطؤوا، فنحر وحلق، ففعلوا.

8783 - قال: فما قوله: ليس من البر الصيام في السفر ؟ "، قلت: قد أتى جابر مفسرا، فذكر أن رجلا أجهده الصوم، فلما علم به النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ليس من البر الصيام في السفر" ، فاحتمل: ليس من البر أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم، ولا نافلة، وقد أرخص الله له، وهو صحيح أن يفطر، ويحتمل: ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم.

8784 - قال: " وكعب بن عاصم لم يقل هذا"، قلت: كعب بن عاصم روى حرفا واحدا وجابر ساق الحديث، وفي صوم النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على ما وصفت لك، وكذلك في أمره حمزة بن عمرو إن شاء صام وإن شاء أفطر، وكذلك في قول أنس .

8785 - قال: " فقد قال سعيد بن المسيب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خياركم الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا الصلاة" ، قلت: وهذا مثل ما وصفنا: خياركم الذين يقبلون الرخصة لا يدعونها رغبة عنها، لأن قبول الرخصة، حتم يأثم به من تركه.

8786 - قال: "فما أمر عمر رجلا صام في السفر أن يعيد؟" ، قلت: لا أعرفه عنه، فإن عرفته، فالحجة ثابتة بما وصفت لك، وأصل ما يذهب إليه: أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحجة لازمة للخلق به، وعلى الخلق اتباعه [ ص: 299 ] .

8787 - وقال في كتاب الصيام في قول من قال: قد سمى الذين صاموا: العصاة، " وقد يكون أن يكون قيل لهم ذلك على أنهم تركوا قبول الرخصة، ورغبوا عنها، وهذا مكروه عندنا، إنما نقول: يفطر أو يصوم، وهو يعلم أن ذلك واسع له، فإذا كان ذلك فالصوم أحب إلينا لمن قوي عليه.

8788 - قال أحمد : وكذا روينا، عن ابن مسعود ، وعثمان بن أبي العاص ، وأنس بن مالك : أن الصوم أفضل، وأما الذي روي في الحديث: وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما هو قول ابن شهاب الزهري ، قد بينه معمر ، ويونس بن يزيد ، عن الزهري .

8789 - وقد قال أبو سعيد الخدري في هذه القصة: ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية