الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
8980 - وأخبرنا أبو عبد الله ، وأبو زكريا ، وأبو بكر ، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة ، أنها قالت: "كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه " أخرجه البخاري في الصحيح، عن القعنبي ، عن مالك ، وأخرجه مسلم من أوجه عن هشام .

[ ص: 355 ] 8981 - أخبرنا أبو عبد الله ، وأبو بكر ، وأبو زكريا ، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان ، يوم عاشوراء وهو على المنبر، منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج من كمه قصة من شعر، يقول: أين علماؤكم يا أهل المدينة ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مثل هذه، ويقول: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم"، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا اليوم، يقول: "إني صائم، فمن شاء منكم فليصم" ، رواه مسلم في الصحيح، عن ابن أبي عمر ، عن سفيان .

8982 - وأخبرنا أبو عبد الله ، وأبو زكريا ، وأبو بكر ، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان ، عام حج وهو على المنبر، يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" أخرجاه في الصحيح من حديث مالك .

[ ص: 356 ] 8983 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا يحيى بن حسان ، عن الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يوما يصومه أهل الجاهلية، فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن كرهه فليدعه" رواه مسلم في الصحيح، عن قتيبة ، وغيره عن الليث .

8984 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة : أنه سمع عبد الله بن أبي يزيد ، يقول: سمعت ابن عباس ، يقول: "ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يتحرى صيامه على الأيام إلا هذا اليوم يعني يوم عاشوراء" . أخرجاه في الصحيح من حديث ابن عيينة .

8985 - قال الشافعي في رواية أبي عبد الله وحده: وليس من هذه الأحاديث شيء مختلف عندنا، والله أعلم، إلا شيئا أذكره في حديث عائشة ، وهو مما وصفت: من الأحاديث التي يأتي فيها المحدث ببعض دون بعض.

8986 - فحديث ابن أبي ذئب ، عن عائشة ، لو انفرد كان ظاهره أن عاشوراء كان فرضا، فذكر هشام ، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه في الجاهلية [ ص: 357 ] ، ثم صامه بالمدينة ، وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان كانت الفريضة، فترك عاشوراء.

8987 - قال الشافعي : لا يحتمل قول عائشة : "ترك عاشوراء" بمعنى يصح إلا "ترك إيجاب صومه"، إذ علمنا أن كتاب الله بين لهم أن شهر رمضان المفروض صومه، فأبان ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك استحباب صومه، وهو أولى الأمرين عندنا به، لأن حديث ابن عمر ، ومعاوية ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله لم يكتب صوم يوم عاشوراء على الناس" ، ولعل عائشة إن كانت تذهب إلى أنه واجب، ثم نسخ، لأنه يحتمل أن يكون رأت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صامه وأمر بصومه كان صومه فرضا، ثم نسخه ترك آمره: "من شاء أن يدع صومه".

8988 - قال: ولا أحسبها ذهبت إلى هذا، ولا ذهبت إلا إلى المذهب الأول، وأن الأول موافق للقرآن، وأن الله فرض الصوم، فأبان أنه شهر رمضان.

8989 - ودل حديث ابن عمر ، ومعاوية ، عن النبي صلى الله عليه وسلم على مثل معنى القرآن: بأن لا صوم فرض في الصوم إلا رمضان.

8990 - وكذلك قول ابن عباس : ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم، يعني يوم عاشوراء كأنه ذهب يتحرى فضله بالتطوع بصومه.

8991 - أخبرنا أبو سعيد قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي : عن رجل، عن أبي أمامة الشيباني ، عن أبي معاوية : أن عليا ، خرج يستسقي يوم عاشوراء، فقال: "من كان منكم أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان مفطرا فلا يأكل" [ ص: 358 ] .

8992 - أورده على طريق الإلزام في خلافهم عليا رضي الله عنه.

8993 - وروينا عن الأسود بن يزيد ، أنه قال: ما رأيت أحدا كان آمرا بصيام عاشوراء من علي وأبي موسى .

8994 - قال أحمد : ويشبه أن يكون أمره: من أصبح مفطرا بأن لا يأكل تشبها بمن يصوم، وتحريا للفضل الذي فيه، ويشبه أن يكون أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان على هذا الوجه.

التالي السابق


الخدمات العلمية