الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4252 49 - حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال ابن عباس رضي الله عنهما حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا خفيفة ذهب بها هناك، وتلا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب فلقيت عروة بن الزبير فذكرت له ذلك، فقال: قالت عائشة: معاذ الله، والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم، فكانت تقرؤها وظنوا أنهم قد كذبوا مثقلة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وإبراهيم بن موسى بن يزيد الرازي الفراء يعرف بالصغير، وهشام هو ابن حسان، يروي عن عبد الملك بن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة، والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن قتيبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: قال ابن عباس: حتى إذا استيئس الرسل " أي من النصر وظنوا أنهم قد كذبوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون.

                                                                                                                                                                                  قوله: "خفيفة" أي خفيفة الذال في قوله: قد كذبوا ".

                                                                                                                                                                                  قوله: "ذهب بها" أي ذهب ابن عباس بهذه الآية، أي قوله حتى إذا استيئس الرسل الآية التي في سورة يوسف لا الآية التي في البقرة، يعني: فهم من هذه الآية ما فهم من تلك الآية؛ لكون الاستفهام في "متى نصر الله" للاستبعاد والاستبطاء، فهما متناسبتان في مجيء النصر بعد اليأس والاستبعاد.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فلقيت عروة بن الزبير " القائل بهذا هو ابن أبي مليكة الراوي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال" أي عروة بن الزبير، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قبل أن يموت" ظرف للعلم لا للكون، قيل: لم أنكرت عائشة على ابن عباس بقولها: معاذ الله إلى آخره مع أن قراءة التخفيف تحتمل معنى ما قالت عائشة، بأن يقال: خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم، وأجيب بأن الإنكار من جهة أن مراده أن الرسل ظنوا أنهم مكذبون من عند الله لا من عند أنفسهم بقرينة الاستشهاد بالآية التي في البقرة، فقيل: لو كان كما قالت عائشة لقيل: وتيقنوا أنهم قد كذبوا؛ لأن تكذيب القوم لهم كان متيقنا، وأجيب بأن تكذيب أتباعهم [ ص: 116 ] من المؤمنين كان مظنونا، والمتيقن هو تكذيب الذين لم يؤمنوا أصلا.

                                                                                                                                                                                  فإن قيل فما وجه كلام ابن عباس؟

                                                                                                                                                                                  قيل: وجهه ما ذكره الخطابي بأن يقال: لا شك أن مذهبه أنه لم يجز على الرسل أن يكذبوا بالوحي الذي يأتيهم من قبل الله، لكن يحتمل أن يقال: إنهم عند تطاول البلاء وإبطاء نجز الوعد توهموا أن الذي جاءهم من الوحي كان غلطا منهم، فالكذب متأول بالغلط، كقولهم: كذبتك نفسك، وقال الزمخشري: وعن ابن عباس: وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر، وقال: وكانوا بشرا، وتلا قوله وزلزلوا حتى يقول الرسول فإن صح هذا فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية، وأما الظن الذي يترجح أحد الجانبين على الآخر فيه فغير جائز على آحاد الأمة، فكيف بالرسل؟!!

                                                                                                                                                                                  قوله: تقرؤها، أي فكانت عائشة - رضي الله عنها - تقرأ قوله: "وكذبوا" مثقلة أي بالتشديد، وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر، وقراءة عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية