الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4144 398 - حدثني محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى. قال: فأي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى. قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد: وأحسبه قال: وأعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه - فكان محمد إذا ذكره يقول: صدق محمد صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ألا هل بلغت مرتين.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن ما رواه أبو بكرة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو خطبته كان في حجة الوداع، وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، وابن أبي بكرة هو عبد الرحمن، واسم أبيه أبي بكرة نفيع -بضم النون، وفتح الفاء، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره عين مهملة- ابن الحارث، وقد تقدم غير مرة.

                                                                                                                                                                                  والحديث تقدم في كتاب العلم في موضعين:

                                                                                                                                                                                  (الأول) في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رب مبلغ أوعى من سامع" أخرجه عن مسدد.

                                                                                                                                                                                  (الثاني) في باب: "ليبلغ العلم الشاهد الغائب" أخرجه عن عبد الله بن عبد الوهاب، وأخرجه أيضا في مواضع أخر ذكرناها في [ ص: 42 ] باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رب مبلغ أوعى من سامع" وذكرنا أيضا هناك جميع ما يتعلق بالحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: (عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة) وذكر في باب "رب مبلغ" عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، فذكر الابن أعني عبد الرحمن، ولم يذكره في باب "ليبلغ العلم" حيث قال: عن محمد عن أبي بكرة، وقد بسطنا الكلام فيه هناك، وذكرنا أيضا ما يتعلق بشرح الحديث فلنذكر بعض شيء.

                                                                                                                                                                                  فقوله: (الزمان) اسم لقليل الوقت وكثيره، وأراد به هاهنا السنة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حرم) بضمتين جمع حرام.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ثلاث متواليات) وقال ابن التين: الصواب ثلاثة متوالية، قيل: لعله أعاد على المعنى "ثلاث مدد متواليات" فكأنه عبر عن الشهر بالمذكر.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ذو القعدة) قال ابن التين: الأشهر فتح القاف.

                                                                                                                                                                                  قوله: (رجب مضر) إنما أضيف رجب إلى هذه القبيلة؛ لأنهم كانوا يحافظون على تحريمه أشد من سائر العرب، وإنما قال: بين جمادى وشعبان؛ تأكيدا وإزاحة للريب الحادث فيه بسبب النسيء، وكانوا يحلون الشهر الحرام، ويحرمون مكانه شهرا آخر لغرض من الأغراض، والنسيء تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر، وقد أبطل الشارع هذا، وأعاد الأشهر الحرم على ما كانت عليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (البلدة) أراد بها مكة، والألف واللام فيه للعهد، وقيل: هي اسم من أسمائها. قوله (قال محمد) هو ابن سيرين.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ضلالا) بضم الضاد، وتشديد اللام جمع ضال، وقد تقدم بعض الشرح أيضا في الحج.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية