ذكر فصول في الدعاء يحتاج إلى معرفتها
قال رحمه الله : البيهقي وما [ ص: 373 ] أشبه ذلك وهو أيضا نداء ، قال الله عز وجل : ( " الدعاء قول القائل يا الله ، أو يا رحمن ، أو يا رحيم كهيعص ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا ) .
قال : ( وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا ) .
وفي آية أخرى : ( هنالك دعا زكريا ربه قال رب ) .
ومعنى " رب " يا رب فثبت أن الدعاء نداء ، والنداء دعاء ثم إن له أركانا وآدابا أن يكون المرغوب فيه مما يبلغ قدر السائل أن يسأله ، وتفسيره أنه ليس لأحد أن يتشبه فمن أركانه : بإبراهيم عليه السلام فيدعو الله جل ثناؤه أن يريه كيف يحيي الموتى ، ولا أن يتشبه بموسى عليه السلام ، فيقول : ( رب أرني أنظر إليك ) .
ولا أن يتشبه بعيسى عليه السلام ، فيقول : ( ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) .
ولا لأحد أن يسأل الله تعالى إنزال ملك عليه فيسأله عن خبر من أخبار السماء ، أو إحياء أبويه ؛ لأن نقض العادات إنما يكون من الله تعالى لتأييد من يدعو إلى دينه ، لا لشهوات العباد ومناهم ، إلا أن يكون السائل نبيا فيجمع إجابته إياه أمنيته وتائيده بما يصدق دعوته ، ولكنه إن دعا كما دعا نوح عليه السلام ، فقال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) .
جاز ، وإنما يبعثه عليه بعض أعداء الله ؛ وكذلك إن حدثت له ضرورة من جوع أو برد شديد أو غير ذلك في بادية هو مأذون له في دخولها من جهة الشرع ، أو أصابه عمى ولا قائد له فدعا الله أن يكشف ما به الضر مطلقا ، كان ذلك جائزا ، وإن كان في إصابته إياه نقض العادة ، وقد يفعل به ذلك من غير مسئلته جزاء له لتوكله وقوة إيمانه . قال ومن أركانه : أن لا يكون عليه في سؤال ما يسئل حرج . ومنها : أن يكون له في السؤال غرض صحيح . [ ص: 374 ]
ومنها : أن يكون فتكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد . حسن الظن بالله عز وجل عند الدعاء
ومنها : أن يسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) .
ومنها : أن يسأل ما يسأل بجد وحقيقة ، ولا يأخذ دعاء مؤلفا فيسرده سردا وهو عن حقائقه غافل .
ومنها : أن لا يشغله الدعاء عن فريضة لله تعالى حاضرة فيفوتها .
ومنها : أن يكون دعاؤه سؤالا بالحقيقة لا اختبارا لربه جل ثناؤه .
ومنها : أن يصلح لسانه إذا دعا ، فلا يخاطب ربه جل ثناؤه بما لو خاطب به كفؤه وقرينه نسبه إلى قلة الحياء وسوء الأدب ، أو ركاكة العقل .
ومنها : أن لا يدعوا ضجرا مستعجلا يضمر أنه إن أجيب في الوقت الذي يريد ، وإلا يئس وترك ، بل يدعو متعبدا متخشعا يضمر أنه لا يزال يدعو ويتضرع إلى أن يجاب ، وكلما زادت الإجابة عنده تراخيا زاد الدعاء تتابعا وتواليا .
ومنها : أن حاجته إذا عظمت لم يسئلها الله عز وجل مستعظما إياها في ذات الله تعالى بل يسأله الصغيرة والكبيرة سؤالا واحدا ويرى منة الله تعالى في إجابته عظيمة .
وأما فمنها : أن يقدم التوبة أمام الدعاء . آدابه
ومنها : الجد في الطلب والإلحاح .
ومنها : المحافظة على الدعاء في الرخاء دون تخصيص حال الشدة والبلاء .
ومنها : أن يعزم إذا سأله .
ومنها : أن يدعو ثلاثا .
ومنها : أن يقتصر على جوامع الدعاء ما لم تعرض له حاجة بعينها فينص عليها .
ومنها : افتتاح الدعاء وختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومنها : أن يدعو وهو طاهر .
ومنها : أن يدعو وهو مستقبل القبلة . [ ص: 375 ]
ومنها : أن يدعو في دبر صلواته .
ومنها : أن يرفع اليدين حتى يحاذي بهما المنكبين إذا دعا .
ومنها : أن يخفض صوته بالدعاء .
ومنها : أن يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الدعاء .
ومنها : أن يحمد الله عز وجل إذا عرف الإجابة .
ومنها : أن لا يخلي يوما ولا ليلة من الدعاء . قال : فأما الأوقات فمنها : ما بين الظهر والعصر من يوم الأربعاء . ويتحرى للدعاء الأوقات والأحوال والمواطن التي يرجى فيها الإجابة .
ومنها : ما بين زوال الشمس من يوم الجمعة إلى أن تغرب الشمس .
ومنها : الدعاء في الأسحار . ومنها عند فيء الأفياء .
ومنها : الدعاء يوم عرفة .
وأما الأحوال فمنها : حال النداء للصلاة .
ومنها : حين فطر الصائم .
ومنها : عند نزول الغيث .
ومنها : عند التقاء الصفين .
ومنها : عند اجتماع المسلمين على الدعاء .
ومنها : أدبار المكتوبات .
ومنها : عند القيام من المجلس .
وأما المواطن ، فالموقفان ، والجمرتان ، وعند البيت ، والملتزم خاصة ، وعلى الصفا والمروة .
وقد ذكر رحمه الله : تفسير كل فصل من هذه الفصول ، وأشار إلى [ ص: 376 ] دلالته من الكتاب والسنة والأثر ، ونحن قد ذكرنا بعض ما حضرنا من ذلك في " كتاب الدعوات " فأغنى ذلك عن إعادتها هاهنا ، وبالله التوفيق . الحليمي