الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(11) الحادي عشر من شعب الإيمان " وهو باب في الخوف من الله تعالى "

قال الله تعالى : ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) .

وقال ( فلا تخشوا الناس واخشون ) .

وقال : ( وإياي فارهبون ) .

وقال : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) .

وأثنى على ملائكته لخوفهم منه فقال : ( وهم من خشيته مشفقون ) .

ومدح أنبياءه عليهم السلام ، وأولياءه بمثل ذلك فقال : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ، ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) .

وقال : ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) .

وعاتب الكفار على غفلتهم ، فقال : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) .

فقيل في التفسير : ما لكم لا تخافون عظمة الله ؟ .

وذمهم في آية أخرى ، فقال : ( وقال : الذين لا يرجون لقاءنا ) .

فقيل أراد به : لا يخافون [ ص: 190 ]

فدل جميع ما وصفناه على أن الخوف من الله تعالى من تمام الاعتراف بملكه وسلطانه ونفاذ مشيئته في خلقه , وأن إغفال ذلك إغفال العبودية إذ كان من حق كل عبد ومملوك أن يكون راهبا لمولاه لثبوت يد المولى عليه , وعجز العبد عن مقاومته وترك الانقياد له .

قال الحليمي رحمه الله والخوف على وجوه :

أحدها : ما يحدث من معرفة العبد بذلة نفسه وهوانها وقصورها , وعجزها عن الامتناع عن الله - تعالى جده - إن أراده بسوء وهذا نظير خوف الولد والديه , وخوف الناس سلطانهم وإن كان عادلا محسنا , وخوف المماليك ملاكهم .

والثاني : ما يحدث من المحبة , وهو أن يكون العبد في عامة الأوقات وجلا من أن يكله إلى نفسه , ويمنعه مواد التوفيق , ويقطع دونه الأسباب . وهذا خلق كل مملوك أحسن إليه سيده , فعرف قدر إحسانه فأحبه , فإنه لا يزال يشفق على منزلته عنده خائفا من السقوط عنها والفقد لها .

والثالث : ما يحدث من الوعيد . وقد نبه الكتاب على هذه الأنواع كلها .

أما الأول فقوله تعالى : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) .

أي لا تخافون لله عظمة .

قال البيهقي رحمه الله : هكذا فسره الكلبي فيما رواه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس .

التالي السابق


الخدمات العلمية