الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 903 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق ، حدثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الحناط قال : حدثني عبد الله بن محمد بن أحمد الهاشمي ، حدثني الحسن بن محمد الهاشمي ، عن محمد بن السماك قال : " كنت أطوف أطلب العباد والزهاد فذكر لي رجل بعبادان ، قد رفض الدنيا ، وأقبل على الآخرة جدا ، واجتهادا فأتيت عبادان ، فسألت عنه ، فوصف لي داره ، فأتيت إلى باب دار كبيرة ليس عليها إلا باب بمصراع صغير ، فقرعت الباب ، فخرجت إلي جارية خماسية فقالت : من الطارق بالباب ؟ قلت : أنا يا جارية هذا منزل فلان العابد ؟ قالت : نعم ، قلت لها : استأذني عليه ، فإن أنا دخلت عليه وهبت لك درهما ، فقالت : يا عبد الله ما رأيت أحدا هو [ ص: 287 ] أجهل منك ، ادخل فما على أبي من حاجب ، وإنما الحجاب على أبواب الملوك ، وأبناء الملوك ، فبهت متعجبا من قولها ، ثم دخلت ودخلت معها وإذا دار قوراء ليس فيها إلا بيت صغير ، فدخلت البيت ، فإذا أنا برجل قد نحل من غير سقم ، وقد احتفر قبرا عند رجليه ، وقد دلى رجليه فيه ، وفي يده خوص يشقه وهو يتلو هذه الآية : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) .

بصوت حزين فسلمت عليه فرد علي السلام وقال : أمن إخواني أنت ؟ قلت : نعم ولست من أهل البصرة ولا من أهل عبادان قال : فمن أين أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : فما اسمك ؟ قلت : محمد بن السماك قال : لعلك الواعظ ؟ قلت : نعم ، قال : فأخذ يدي بيديه جميعا ثم قال لي : مرحبا وحياك الله يا أخي بالسلام ، ومتعني وإياك في الدنيا بالإخوان يا أخي ما زالت نفسي متطلعة إلى لقائك تحب أن تعرض داءها على دواءك ، أعلمك يا أخي أن بي جرحا قديما قد أعيا المعالجين قبلك ، فتأتاه برفقك ، وألصق عليه ما تعلم أنه يلائمه من مراهمك ، قال : فعلمت أن الرجل يريد أن أعظه ، فقلت : يا أخي وهل يداوي مثلي مثلك ؟ وجرحي أنغل من جرحك ، وذنبي أعظم من ذنبك . فقال : سألتك بالله إلا ما وعظتني فقلت له : يا أخي قد علمت أن ذنبك الذي أذنبت لم يمح ، وأن لذاذتك لم تبق ، وأن الموت يطلبك صباحا ومساء ، وأنك تصير غدا إلى ضيق اللحود وظلمة القبور ، ومسألة منكر ونكير ، فلما قلت له ذلك شهق شهقة خر في قبره يخور كأنه الثور إذا وجي في منحره ، وأقبلت امرأته وابنته تبكيان من وراء الحجاب وتقولان : سألناك بالله لا تزده شيئا فتقتله علينا .

فأفاق فقال : يا أخي قد وافق دواءك دائي ، ولصق مرهمك بجرحي ، أخي ابن السماك زدني .

فقلت له : يا أخي إن أهلك وولدك قد حلفوني أني لا أزيدك شيئا فأقبل عليهم وقال : اعلم يا أخي أنه ليس أحد أشد علي وبالا ولا أعظم جرما مني إذا وقفت بين يدي ربي - من أهلي وولدي . [ ص: 288 ]

فقلت : يا أخي! ما بعد ظلمة القبور وضيق اللحود ومسألة منكر ونكير إلا الطامة . قال : وما هي يا ابن السماك ؟ فقلت له : إذا أخذ إسرافيل يعني في نفخ الصور ، وبعثر ما في القبور ، وجئنا نحن بأثقالنا نحمل على الظهور . فكم يا أخي في ذلك اليوم مناد ينادي بالويل والثبور ؟ وأعظم من ذلك أيضا توبيخ الرب إيانا عند قراءة السيئات التي قد أحصى علي وعليك فيه النقير والفتيل والقطمير ؛ وملائكة متزرون بأزر من نار ، غضاب لغضب الرحمن ينتظرون ما يقال لهم بالغضب : ( خذوه فغلوه ) .

قال : فشهق شهقة فخر في قبره كأنه ثور قد وجي في منحره ، وبال فعرفت بالبول ذهاب عقله ، فأقبلت ابنته فاجتذبته ، وأسندته إلى صدرها ومسحت وجهه بكمها ، وهي تقول : بأبي وأمي عينين طال ما سهرتا في طاعة الله بأبي وأمي عينين طال ما غضتا عن محارم الله .

وأفاق فقال لي : عليك السلام يا ابن السماك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . وشهق الثالثة فظننت أنها مثل الأوليين فحركته فإذا الرجل قد فارق الدنيا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية