الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر فصول في الدعاء يحتاج إلى معرفتها

قال البيهقي رحمه الله : " الدعاء قول القائل يا الله ، أو يا رحمن ، أو يا رحيم وما [ ص: 373 ] أشبه ذلك وهو أيضا نداء ، قال الله عز وجل : ( كهيعص ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا ) .

قال : ( وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا ) .

وفي آية أخرى : ( هنالك دعا زكريا ربه قال رب ) .

ومعنى " رب " يا رب فثبت أن الدعاء نداء ، والنداء دعاء ثم إن له أركانا وآدابا فمن أركانه : أن يكون المرغوب فيه مما يبلغ قدر السائل أن يسأله ، وتفسيره أنه ليس لأحد أن يتشبه بإبراهيم عليه السلام فيدعو الله جل ثناؤه أن يريه كيف يحيي الموتى ، ولا أن يتشبه بموسى عليه السلام ، فيقول : ( رب أرني أنظر إليك ) .

ولا أن يتشبه بعيسى عليه السلام ، فيقول : ( ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) .

ولا لأحد أن يسأل الله تعالى إنزال ملك عليه فيسأله عن خبر من أخبار السماء ، أو إحياء أبويه ؛ لأن نقض العادات إنما يكون من الله تعالى لتأييد من يدعو إلى دينه ، لا لشهوات العباد ومناهم ، إلا أن يكون السائل نبيا فيجمع إجابته إياه أمنيته وتائيده بما يصدق دعوته ، ولكنه إن دعا كما دعا نوح عليه السلام ، فقال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) .

جاز ، وإنما يبعثه عليه بعض أعداء الله ؛ وكذلك إن حدثت له ضرورة من جوع أو برد شديد أو غير ذلك في بادية هو مأذون له في دخولها من جهة الشرع ، أو أصابه عمى ولا قائد له فدعا الله أن يكشف ما به الضر مطلقا ، كان ذلك جائزا ، وإن كان في إصابته إياه نقض العادة ، وقد يفعل به ذلك من غير مسئلته جزاء له لتوكله وقوة إيمانه . قال ومن أركانه : أن لا يكون عليه في سؤال ما يسئل حرج . ومنها : أن يكون له في السؤال غرض صحيح . [ ص: 374 ]

ومنها : أن يكون حسن الظن بالله عز وجل عند الدعاء فتكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد .

ومنها : أن يسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) .

ومنها : أن يسأل ما يسأل بجد وحقيقة ، ولا يأخذ دعاء مؤلفا فيسرده سردا وهو عن حقائقه غافل .

ومنها : أن لا يشغله الدعاء عن فريضة لله تعالى حاضرة فيفوتها .

ومنها : أن يكون دعاؤه سؤالا بالحقيقة لا اختبارا لربه جل ثناؤه .

ومنها : أن يصلح لسانه إذا دعا ، فلا يخاطب ربه جل ثناؤه بما لو خاطب به كفؤه وقرينه نسبه إلى قلة الحياء وسوء الأدب ، أو ركاكة العقل .

ومنها : أن لا يدعوا ضجرا مستعجلا يضمر أنه إن أجيب في الوقت الذي يريد ، وإلا يئس وترك ، بل يدعو متعبدا متخشعا يضمر أنه لا يزال يدعو ويتضرع إلى أن يجاب ، وكلما زادت الإجابة عنده تراخيا زاد الدعاء تتابعا وتواليا .

ومنها : أن حاجته إذا عظمت لم يسئلها الله عز وجل مستعظما إياها في ذات الله تعالى بل يسأله الصغيرة والكبيرة سؤالا واحدا ويرى منة الله تعالى في إجابته عظيمة .

وأما آدابه فمنها : أن يقدم التوبة أمام الدعاء .

ومنها : الجد في الطلب والإلحاح .

ومنها : المحافظة على الدعاء في الرخاء دون تخصيص حال الشدة والبلاء .

ومنها : أن يعزم إذا سأله .

ومنها : أن يدعو ثلاثا .

ومنها : أن يقتصر على جوامع الدعاء ما لم تعرض له حاجة بعينها فينص عليها .

ومنها : افتتاح الدعاء وختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومنها : أن يدعو وهو طاهر .

ومنها : أن يدعو وهو مستقبل القبلة . [ ص: 375 ]

ومنها : أن يدعو في دبر صلواته .

ومنها : أن يرفع اليدين حتى يحاذي بهما المنكبين إذا دعا .

ومنها : أن يخفض صوته بالدعاء .

ومنها : أن يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الدعاء .

ومنها : أن يحمد الله عز وجل إذا عرف الإجابة .

ومنها : أن لا يخلي يوما ولا ليلة من الدعاء . قال : ويتحرى للدعاء الأوقات والأحوال والمواطن التي يرجى فيها الإجابة . فأما الأوقات فمنها : ما بين الظهر والعصر من يوم الأربعاء .

ومنها : ما بين زوال الشمس من يوم الجمعة إلى أن تغرب الشمس .

ومنها : الدعاء في الأسحار . ومنها عند فيء الأفياء .

ومنها : الدعاء يوم عرفة .

وأما الأحوال فمنها : حال النداء للصلاة .

ومنها : حين فطر الصائم .

ومنها : عند نزول الغيث .

ومنها : عند التقاء الصفين .

ومنها : عند اجتماع المسلمين على الدعاء .

ومنها : أدبار المكتوبات .

ومنها : عند القيام من المجلس .

وأما المواطن ، فالموقفان ، والجمرتان ، وعند البيت ، والملتزم خاصة ، وعلى الصفا والمروة .

وقد ذكر الحليمي رحمه الله : تفسير كل فصل من هذه الفصول ، وأشار إلى [ ص: 376 ] دلالته من الكتاب والسنة والأثر ، ونحن قد ذكرنا بعض ما حضرنا من ذلك في " كتاب الدعوات " فأغنى ذلك عن إعادتها هاهنا ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية