الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 718 ] أخبرنا أبو الحسن بن أبي المعروف ، أخبرنا أبو سهل الإسفراييني ، حدثنا أبو جعفر الحذاء ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) .

قال : " لا تبالون لله عظمة قال : والرجاء : الطمع والمخافة " .

قال : وحدثنا علي ، حدثنا مسكين أبو فاطمة قال : سأل منصور بن زاذان رجل وأنا أسمع ما كان الحسن يقول في قوله : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) .

قال : لا تعلمون له عظمة ، ولا تشكرون له نعمة .

قال الحليمي رحمه الله : ولا فرق بين أن يقول السيد لمملوكه : ما لك لا تخاف سلطاني وملكي وبين أن يقول : ما لك لا تعرف نفسك قدرها ، ولا تنزلها منزلة مثلها ؟ففي الكلامين يراد بهما تقرير حال العبد عند نفسه لئلا يأمن سطوة سيده فيدعوه ذلك إلى مفارقة طاعته .

وأبين من هذا قوله عز وجل : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ، وكان الإنسان كفورا أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر ، أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ، ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ) .

فعرفهم أنه لا ينبغي لهم في حال من الأحوال أن يفارقوا طاعته ، أو يقصروا في شكره مستشعرين منه أمنا لما يرونه من نعمه السابغة عليهم ، مقدرين أنه راض [ ص: 193 ] منهم باليسير من الطاعة التي يوفونه من أنفسهم فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون بل سبيلهم أن يكونوا في الأحوال كلها مشفقين من سخطه ومؤاخذته مخطرين بقلوبهم أنه إن أراد بهم هلكا أو سوءا دونه ما كان ، لم يجدوا من يدفعه عنهم ولا من يمنعه بما يملكه منهم .

وأما الثاني : فإن الله عز وجل ثناؤه أثنى على الذين يدعونه فيقولون ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) وقرأ الآية .

فسماهم الراسخين في العلم ، ومعلوم أن أحدا لا يدعو فيقول : رب لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني إلا وهو خائف على الهدى الذي أكرمه الله تعالى به أن يسلبه إياه ، وأخبر عن أهل الجنة أنهم يقولون ( إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ) قرأ الآيتين .

وجاء في التفسير أنهم كانوا مشفقين أن يسلبوا الإسلام فيوردوا يوم القيامة موارد الأشقياء وكانوا يدعون الله أن لا يفعل بهم ذلك . وكذلك سائر نعم الله وإن كان الإسلام أعلاها .

وأما الثالث : فقد قال في غير موضع من كتابه .

( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) .

وقال : ( وإياي فاتقون ) .

وقال : ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) [ ص: 194 ]

فأمر بالتقوى وهي أن يقي المخاطبون أنفسهم من نار جهنم بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه ، ومعنى ( فاتقون ) .

اتقوا عذابي ومؤاخذتي وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية