فصل
قال رحمه الله تعالى : وقد يجد الناس في أنفسهم الحليمي مثل خوف الوالد من موت ولده ، أو ذهاب ماله ، أو الغرق ، أو الحرق ، أو الهدم ، أو ذهاب السمع والبصر ، أو الوقوع بيد السلطان الجائر ، أو الابتلاء بسبع ، أو عدو من كان ، وما يشبه ما ذكرنا من أصناف المكاره ، إلا أن هذا ينقسم إلى محمود ومذموم . فالمحمود أن يكون الخوف من هذه الأمور لما يمكن أن يكون تحتها من سخط الله - عز وجل ثناءه - فإنها قد تكون عقوبات ومؤاخذات . فمن خافها ، فامتنع لأجلها من المعاصي ولم يأمن أن تغير عليه ، كانت منزلته منزلة من امتنع من المعاصي خيفة [ ص: 311 ] النار ، وكذلك إن خشي أن يكون أخذ الله منه ما أعطاه ابتلاء له واختبارا ، حتى إن صبر ، واحتسب أثابه ، وإن جزع واضطرب ولم يسلم لقضائه زاده سلبا فخاف أن ذلك إن كان لم يملك نفسه ، وكان منه بعض ما لا يحبه الله تعالى جده ، ومن هذا الوجه كان إشفاقه وكراهيته لهذه الأمور فهذا أيضا محمود . وهذا خوف ينشأ عن التعظيم والمحبة جميعا . الخوف من أشياء كثيرة ،
وأما المذموم فهو أن يكون خوفه بعض هذه الأمور لحرصه على ماله فيها من المنافع الدنيوية وشدة ركونه إليها ، وميله إلى التكثر بماله منها ، والتوصل بها إلى ما يريد ويهوى ، كان في ذلك رضى الله أو سخطه . وإنما كان هذا مذموما للغرض الذي عنه ينشأ هذا الخوف ، ولأن جميع نعم الله عند العبد من مال وولد وما يشبههما إنما هي عوار ، والركون إلى العواري ليس من فعل الفضلاء والمخلصين ، والله أعلم .
قال رحمه الله : وقد جاء في الأخبار والآثار ما يؤكد صحة ما قاله البيهقي رحمه الله في هذا الفصل وسياق جميع ذلك هاهنا يطول فمن ذلك ما : الحليمي