الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال الحليمي رحمه الله تعالى : وقد يجد الناس في أنفسهم الخوف من أشياء كثيرة ، مثل خوف الوالد من موت ولده ، أو ذهاب ماله ، أو الغرق ، أو الحرق ، أو الهدم ، أو ذهاب السمع والبصر ، أو الوقوع بيد السلطان الجائر ، أو الابتلاء بسبع ، أو عدو من كان ، وما يشبه ما ذكرنا من أصناف المكاره ، إلا أن هذا ينقسم إلى محمود ومذموم . فالمحمود أن يكون الخوف من هذه الأمور لما يمكن أن يكون تحتها من سخط الله - عز وجل ثناءه - فإنها قد تكون عقوبات ومؤاخذات . فمن خافها ، فامتنع لأجلها من المعاصي ولم يأمن أن تغير عليه ، كانت منزلته منزلة من امتنع من المعاصي خيفة [ ص: 311 ] النار ، وكذلك إن خشي أن يكون أخذ الله منه ما أعطاه ابتلاء له واختبارا ، حتى إن صبر ، واحتسب أثابه ، وإن جزع واضطرب ولم يسلم لقضائه زاده سلبا فخاف أن ذلك إن كان لم يملك نفسه ، وكان منه بعض ما لا يحبه الله تعالى جده ، ومن هذا الوجه كان إشفاقه وكراهيته لهذه الأمور فهذا أيضا محمود . وهذا خوف ينشأ عن التعظيم والمحبة جميعا .

وأما المذموم فهو أن يكون خوفه بعض هذه الأمور لحرصه على ماله فيها من المنافع الدنيوية وشدة ركونه إليها ، وميله إلى التكثر بماله منها ، والتوصل بها إلى ما يريد ويهوى ، كان في ذلك رضى الله أو سخطه . وإنما كان هذا مذموما للغرض الذي عنه ينشأ هذا الخوف ، ولأن جميع نعم الله عند العبد من مال وولد وما يشبههما إنما هي عوار ، والركون إلى العواري ليس من فعل الفضلاء والمخلصين ، والله أعلم .

قال البيهقي رحمه الله : وقد جاء في الأخبار والآثار ما يؤكد صحة ما قاله الحليمي رحمه الله في هذا الفصل وسياق جميع ذلك هاهنا يطول فمن ذلك ما :

التالي السابق


الخدمات العلمية