الصلاة.. ودورها الإعلامي
وإذا كنا نريد الحديث عن المهمة الإعلامية للأذان في ضوء المبادئ والقيم التي ذكرناها، فلا بد لنا أن نعرف أن الأذان أكثر ما يكون للصلاة، والصلاة في حقيقتها مدرسة إعلامية تغرس في أعماق الملازمين لها مثلا عليا، وقيما عظمى؛ فمن شعائرها: الجماعة التي تلتقي على هـدف لا ريب في سموه، وعنصر التوقيت الزمني ؛ خمس مرات في اليوم والليلة حددت تماما مواقيتها: ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) ( النساء: 103) ، أضف إلى ذلك عنصر الميقات المكاني ؛ إذ يتم هـذا التجمع في المسجد، والمسجد في الإسلام يشمل كل طاهر من أرض الله كلها: ( وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) ( جزء من حديث أخرجه البخاري ) .
والجماعة في الصلاة تترقى مستوياتها.. فالصلوات اليومية يجتمع فيها أهل الحي، وفي الجمعة يلتقى في المسجد الجامع أهل المدينة أو القرية، وكذا في صلوات العيدين والاستسقاء ، والخسوف والكسوف . وهذا سر فضل صلاة الجماعة في الإسلام.
إن المسلم في صلاة الجماعة يتعلم -في سلوك يومي- واجب الطاعة [ ص: 72 ] للإمام ما استقام على النهج الحق، كما يتعلم ضرورة النصح والتقويم له إذا انحرف أو اشتط.. وهذا كله ماثل في صلاة الجماعة.
وكانت تغيب الآيات أحيانا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيفتح عليه أصحابه من خلفه ويذكرونه بها، وهو الذي تلقاها من لدن حكيم خبير، ونزل بها الروح الأمين على قلبه صلى الله عليه وسلم .
ولكنها الحكمة البالغة !!
وقد ينسى، فيذكره أصحابه بما نسي-في غير مجاملة- وهو الذي علمهم إياها، ( فيقول له الصحابي الجليل ذو اليدين رضي الله عنه : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فيقول: لم أنس، ولم تقصر، ثم يؤكد الصحابة أنه نسي فعلا، فيسجد للسهو. ) ( حديث ذي اليدين أخرجه البخاري ) .
هو-إذن- درس بالغ، وما أكثر الدروس الاجتماعية ، فضلا عن الدينية في صلاة الجماعة.
هذه المهمة الكبيرة لصلاة الجماعة، تؤكد القيمة الإعلامية للأذان.
وإذا أردنا أن نتعرف على المعنى اللغوي الدقيق لكلمة ( الأذان ) ، لاستبانت لنا الحقيقة من أطرافها جميعا ؛ إذ ( الأذان ) معناه ( الإعلام ) ،وورد في القرآن الكريم لفظ ( الأذان) و ( المؤذن) بهذا المعنى، فالإعلان الإسلامي بقوانين السياسة الخارجية التي تحدد أبعاد العلاقة بين دولة الإسلام والدول الأخرى، والذي صدر في موسم الحج من السنة التاسعة للهجرة صدر بكلمة ( الأذان ) ؛ وكان المؤذن فيه، أو الرجل الإعلامي هـو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان أمير الحج أبا بكر رضي الله عنه ، قال تعالى: ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله.. ) ( التوبة: 3 وما بعدها ) ثم عرضت الآيات القرارات الخطيرة التي نزلت في هـذا الشأن. إن كلمة الأذان عريقة في معنى الإعلام والإعلان. [ ص: 73 ]
يقول الله تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن يبلغ قومه هـذا النذير إن أصروا على الإعراض عن قيم الإسلام وعقيدته: ( فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ) ( الأنبياء: 109 ) .
وفي شأن إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم ، وقد نجحت خطبته في استخلاص شقيقه منهم بوضع صواع الملك في رحله وقد هـموا بالانصراف بعد أن قضوا حاجاتهم: ( ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ) ( يوسف:70) .
فقد سمي صاحب هـذا الصوت المؤثر-الذي استوقف العير، واتهم أفرادها بالسرقة- مؤذنا، وذلك لما تحمله من إيحاءات إعلامية بالغة.