الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الإعلام العربي والأمل المنشود

إن تحرر الإعلام العربي من التبعية والتقليد، هـو الأمل المنشود الذي يتطلع إليه كل مخلص غيور. ولن يتحقق هـذا التحرر إلا عندما تتوسع دائرة الاعتماد على الذات في جميع ميادين الإعلام: صناعة، وفكرا، ونظاما، وممارسة. ولا بد -بادئ ذي بدء- من الإيمان العميق بأن نقطة الانطلاق في حركة تحرر الإعلام العربي من التبعية، تكمن في الإقرار العملي بأن النشاط الإعلامي-بمختلف صوره وأشكاله وأنماطه- إنما ينبع من التصورات العقدية والأيديولوجية للمجتمع الذي يعمل فيه، وينطبع بالقيم والتقاليد، ويتأثر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لذلك المجتمع. ولذلك فإنه من الضرورة أن نعمل على صياغة نظام إعلامي عربي إسلامي مميز في روحه، وجوهره، ومنطلقاته، وأهدافه، ونظمه، وقوانينه، وطرقه وأساليبه.

ولا شك أن الإسلام -بفكره، وقيمه، ومبادئه، وحضارته- هـو الأصل الذي ينبغي أن يصدر عنه ذلك النظام الإعلامي المنشود، وهو الأساس الذي ينبغي أن يستند إليه صياغته للنشاط الإعلامي، وتحديد أبعاده ووظائفه ومسئولياته في المجتمع العربي. كما أن هـذا النظام المنشود لا بد من أن يتفاعل مع الواقع الذي تعيشه المجتمعات العربية، وتتبلور أسسه وتنظيماته وممارساته بما يخدم مصالح هـذه المجتمعات وحاجاتها، وبما لا يتعارض مع قيمها الأصيلة، وعاداتها وتقاليدها الصالحة، التي تعطيها التميز والاختلاف عن غيرها من المجتمعات التي تؤمن بالفلسفات والأفكار المادية الوضعية.

إن تحرير الإعلام العربي من ربقة التبعية والتقليد، والارتقاء به إلى مستوى الإبداع والاستقلال والذاتية ، عمل شاق وكبير. ولذلك لا بد من أن تسهم في تحقيقه مختلف الفئات والجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالنشاط الإعلامي، سواء على المستوى السياسي، أو المستوى العلمي الأكاديمي، أو المستوى [ ص: 53 ] العملي المهني، أو المستوى الاجتماعي والاقتصادي. حسبنا في هـذه العجالة أن نشير إلى بعض النقاط الهامة التي نعتقد أن عملية التحرير تنطلق فيها عبر المستويات المختلفة:

(أ) فعلى المستوى السياسي لا بد من أن تؤمن الحكومات والأنظمة السياسية العربية بأهمية أن يكون نظام إعلامي عربي له شخصيته الذاتية، وأن يركز هـذا النظام على مبادئ الإسلام وقيمه، ويلبي الاحتياجات الحقيقية للمجتمع، ويقوم على أكتاف مواطني ذلك المجتمع. ولا بد من أن ترسم لهذا النظام استراتيجية عامة واضحة المعالم، وسياسات عملية تقوم على أسس عملية واقعية، وأن يتمتع النظام بشيء من الحرية والمرونة التي تحقق المصلحة العامة، وألا يكبل النظام بالبيروقراطية والروتين .

(ب) وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي لا بد من العمل على تغيير النظرة التقليدية الدونية للنشاط الإعلامي التي تسود المجتمعات العربية. ولا بد من إقناع القطاع الحكومي والقطاع الأهلي بأهمية الاستثمار الاقتصادي في ميدان الإعلام، إذ أن النشاط الإعلامي اليوم -في كافة صوره ومستوياته- نشاط مكلف اقتصاديا، مما يتطلب معه أن ينفق عليه بسخاء، وأن يحظى بالعناية القصوى والاهتمام الكافي.

(ج) وعلى المستوى الأكاديمي لا بد من العناية بافتتاح وتدعيم كليات وأقسام، ومعاهد التدريس الأكاديمي للإعلام في كل قطر عربي، ولا بد من أن تتوافر لهذه الكليات والأقسام والمعاهد الإمكانات البشرية والمادية الملائمة، التي تجعلها تستطيع القيام بمهمتها في إعداد وتهيئة الكفايات ( الكوادر ) الإعلامية المتخصصة، التي تسهم في دفع عجلة النمو الإعلامي ، وتعمل على تحقيق سياسة الاعتماد على الذات. كما أن هـذا الاهتمام بالكليات والأقسام والمعاهد الإعلامية الوطنية، سيقلل من كثرة الابتعاث إلى الخارج والذي يعد -بصورته الحالية- تكريسا لحالة التبعية والتقليد ، التي يعيش فيها الإعلام العربي المعاصر. ولا ينبغي أن تقتصر [ ص: 54 ] مهمة هـذه الجهات الأكاديمية على الإعداد الأكاديمي والمهني الصرف، بل لا بد لها من أن تعنى بالإعداد الفكري والأخلاقي المتميز للكوادر التي تخرجها..

(د ) وعلى المستوى المهني الواقعي لا بد من أن يستشعر العاملون في الميادين الإعلامية المختلفة -سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الأهلي- مسئوليتهم العظيمة التي يضطلعون بها. ولا بد من العناية بحسن اختيار المسئولين والعاملين في المؤسسات الإعلامية التوجيهية ، وتنقية الساحة الإعلامية من الدخلاء عليها، كما أن توفير فرص التأهيل والتدريب للعاملين في القطاع الإعلامي يعد مطلبا أساسيا في سبيل تكوين وتهيئة كوادر إعلامية ذات قدرة وكفاءة وتميز.

التالي السابق


الخدمات العلمية