الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الإسلام هـو العلاج.. فالإسلام هـو إذن وحده القادر على إنقاذ المجتمع الأمريكي، لأسباب منها: الأول: إن النظام الذي تقوم عليه المجتمعات المعاصرة والذي انتهى إلى أزماتها المعقدة المستعصية يقوم -فيما يقوم- على مبدأ جميل لفظه، خطر محتواه وهو البحث عن الحقوق .. فالأفراد والجماعات والطبقات كل يبحث عن حقوقه ويطالب بها، وهو في تعريفه لهذه الحقوق يصدر عن شهواته التي لا تقف عند حد. [ ص: 129 ] أما الإسلام، فيقيم الحياة الاجتماعية على -مبدأ المسئوليات- فالمسلمون أفرادا وجماعات، يوجهون للقيام بمسئولياتهم نحو الآخرين.

وإذا ورد لفظ ( الحقوق ) في المصادر الإسلامية، فإنما يرد بمعنى المسئولية، كأنه يوجه المسلم ( للحق الذي عليه) ،لا (الحق الذي له ) .. وهذا الاختلاف جعل للمجتمع الإسلامي طابعا يميزه عن غيره، فحينما يوجه الأفراد والجماعات للقيام بمسئولياتهم نحو الفرد والأسرة والمجتمع والإنسانية، فإن الطابع الذي ينظم العلاقات هـو ( العطاء ، والبذل ) ، وتكون النتيجة هـي: المودة ، والأخوة الإنسانية ، والتراحم ، وما ينتج عن ذلك كله من أمن واستقرار .. أما حينما يوجه الفرد للبحث عن حقوقه التي تستمد تعريفها من شهواته، فإن الطابع الذي تتخذه العلاقات هـو (الأخذ ) ويتصاعد هـذا الأخذ الشهواني حتى ينتهي إلى نهم وتنافس وتصارع، وما يتفرع عن ذلك كله من اضطراب وتحاسد ، ومضاعفات الصراع الطبقي والسلب والجريمة وتقطيع الأرحام وتدمير العلاقات على مستوى الأفراد والجماعات والأمم.

والثاني: أن الإسلام هـو وحده الذي يبني نظامه الاجتماعي على أساس لا يهمل أمر المادة، ولا يغفل عن دور القيم، أما الأديان التي حقرت للإنسان الحياة حتى أصبح أخذه منها القدر المباح قذارة ومعصية لا بد منها، وأما الفلسفات التي قذفت إلى الطرف المضاد من الفهم الخاطئ، فحسنت له الشهوات حتى غرق في مستنقعها، فهذه جميعها مسئولية عن المصير الذي يشكو منه الخبراء والمختصون في المجتمع الأمريكي.

واليوم يكتشف الكثير من علماء النفس والاجتماع خطأ هـذه المحورية الشهوانية، نذكر منهم على سبيل المثال رءوس مدارس علم النفس من أمثال ماسلو Maslow، وفرم Fromm، وإيرنست بيكر Earnest BecKer وغيرهم، [ ص: 130 ] ولنستمع إلى وارن ر. بر وكسي Warren R Brocci الأستاذ المساعد في العلاج النفسي في جامعة كاليفورنيا الجنوبية وهو يقول:

( كان الجنس هـو المحور في تفكير فرويد ، لأن فترة الفكتورية - The Vico rion Period التي عاش خلالها، امتازت بالكبت الجنسي -حيث كان الجنس (الحلال) يعتبر قذارة لا بد منها للنسل- وأنا على ثقة لو أنه عاش اليوم لوافق على أن الإحباط الأكبر يكمن في حاجة الإنسان للتقدير والاعتبار Self-esteem، وأن الجنس ليس إلا وسيلة لهذا الهدف ) [1] .

والإسلام هـو وحده الذي يمنح الفرد تقدير الذات Self-esteem حين كرم الإنسان وجعله خليفة الله في أرضه، وحين وازن بين حاجاته وبين حاجات المجتمع بشكل لا ينال من هـذا التقدير والتكريم.

أما الديمقراطية التي ربطت الإنسان بشهواته، ثم جعلت الحكم في ذلك للأغلبية، فإن التطبيق الأمريكي نفسه قد كشف عن خطورة هـذا الاتجاه، يقول البروفيسور رو برت ب. هـي Robert P.Hay.

( إن مفهوم الفرد الضائع في ثقافة الجمهور في أزمات الديمقراطية هـو مفهوم ظلم الأكثرية، لأن إحساس الفرد بهويته هـو عملية متأصلة في وجوده في التاريخ ، وفي التراث ، وفي الدين ، وفي العائلة ، وفي تلك المؤسسات الاجتماعية التي لها قوة تكييف الفرد عبر الزمان والمكان ) . ويقول أيضا:

(تتجه الديمقراطية لتحطيم ثقة الفرد بنفسه، حتى ينتهي بلا رأي مطلقا ويتبع الأكثرية أعمى حيثما قادته ) [2] .

والسبب الثالث، لتفرد الإسلام في تلبية حاجات المجتمع الأمريكي: أن الإنسانية لا تقف وحدها، وإنما تحتاج إلى الإرشاد النظري والقدرة العلمية، [ ص: 131 ] أي أنها تحتاج إلى رسالة يتوفر فيها الشمول والتكامل على المستويين النظري والعملي، أما على المستوى النظري فالإسلام وحده هـو الذي عالج جوانب الحياة العقائدية والسياسية والاقتصادية وغيرها، أما على المستوى العملي فإن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم توفر القدرة في كل ميدان وفي سلوك صغر أم كبر، دق أم عظم، فالرسول عليه الصلاة والسلام ، كان حاكما وقائدا، وسياسيا، واقتصاديا، ومربيا، ومعلما، في حين لم يمارس الأنبياء ميادين الحياة بمثل هـذا الشمول، كما أن سيرهم مجهولة دارسة، لا يعرف من أنماط سلوكهم إلا القليل.

والسبب الرابع، لتفرد الإسلام في تلبية حاجة المجتمع الأمريكي هـو: ملاءمته الكاملة الطبيعة المرحلة التي انتهى إليها تطور الاجتماع البشرى، والحجم الذي اتخذه في كل طور، فحين بدأ المجتمع بالأسرة - آدم وزوجته- كانت الرسالة رسالة أسرته.. وحينما تطور المجتمع فأصبحت حدوده وعلاقاته تتمثل بحدود وعلاقة القبيلة أو البلدة وعلاقتها، جاءت الرسالة محلية قبلية أو لبلد واحد.. وحينما تطور المجتمع البشري فأصبح يتمثل بالقوم أو الشعب جاءت الرسالة لشعب واحد كرسالة موسى والمسيح عليهما السلام. وحينما تهيأ المجتمع البشرى ليأخذ طابعه العالمي في علاقاته وموصلاته وثقافاته وتطورت وسائل الاتصال فيه لتختصر المسافات وتحيل الكرة الأرضية إلى بلد واحد أو ما يسميه بعض علماء الاجتماع الآن قرية الكرة THE Global Village، جاءت رسالة الإسلام عالمية، تنظم علائق العالم كله، وعملية الوظائف المعقدة والواجبات المتراكمة، وسرعة التغيير في الزمان والمكان.

والسبب الخامس، أنه في حين تتهاوى العقائد الأخرى أمام كشوفات العلم، فإن الإسلام وحده هـو الذي تأتي فتوحات العلم أو آيات الله في الآفاق والأنفس شاهدة على صدق آيات الله في الكتاب، ومن أراد الأمثلة فليقرأ ما كتبه موريس بوكاي ، ورينيه دوبو ، وعشرات الكتاب، أو لينظر في آيات القرآن وفي الحديث الشريف ويقارن ذلك بمكتشفات العلم. [ ص: 132 ]

إن المقدمات الأولية لآثار النظر الغربي في مصادر الإسلام (ممن أسلموا ) ، تشير أنه سيكون للمسلم الأمريكي والأوروبي مستقبل كبير في اكتشاف المظهر العلمي للإعجاز القرآني ، كما اكتشف قبله العقل العربي والعقل الفارسي مظاهر الإعجاز الأوروبي والفكري والتشريعي والنفسي .

التالي السابق


الخدمات العلمية