الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
لماذا الإعلام الإسلامي ؟

إن المطلب القيم لا بد أن تتوافر له مبررات قوية ومقنعة، تسوغ تبنيه بإخلاص، وتدفع إلى الدعوة إليه بإلحاح، وتقوي العزائم في سبيل تحقيقه في الواقع بلا توان أو هـبوط. وتستند المطالبة بأسلمة الإعلام وصياغته صياغة إسلامية إلى مبررات ثلاثة هـي:

1- المبرر المنطقي

لقد جاء الإسلام -كما ذكرنا سابقا- ليكون منهجا شاملا للحياة كلها بجميع جوانبها ومجالاتها. وقد رسم الإسلام للإنسان معالم لنظمه الاجتماعية المختلفة، لتتوافق هـذه النظم مع الغاية الرئيسة لوجوده، وهي استخلاف الله له في الأرض لعمارة الكون وفق منهج الله وتحقيق عبادته وحده.

وارتباط المسلم بإسلامه ليس ارتباطا عاطفيا روحيا فحسب، بل هـو -إلى جانب ذلك- ارتباط واقعي عملي من خلال تطبيق شرائع الإسلام، وهديه، وتعاليمه السامية، وتوجيهاته الربانية في مجموعة من النظم الإسلامية التي حكمت حياة المسلمين في شئونهم الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والمدنية والعسكرية.

وعندما ضعف التزام المسلمين بمبادئ دينهم، وتكالبت عليهم القوى الاستعمارية التي استهدفت خلخلة التصور الشمولي للإسلام وتطبيقه في حياتهم، تحول ارتباط معظم المسلمين بالإسلام في العصر الحاضر إلى مجرد ارتباط عاطفي محدود، يكتفي فيه المسلم بإقامة شعائره التعبدية، وتزكية نفسه بالرياضات الروحية والأخلاقية الفردية . وقد نتج عن هـذا المفهوم المغلوط لحقيقة الالتزام الإسلامي أن حفلت حياة المسلمين بصور [ ص: 31 ] الازدواجية والتناقض بين الارتباط العاطفي بالإسلام في ميدان العبادة والأخلاق الفردية، وبين الارتباط العلمي الواقعي بالمذاهب المناقضة للإسلام في ميدان النظم والتشريعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .

إن حياة المسلمين المعاصرة لن تتحقق لها الصبغة الإسلامية إلا عندما ينسجم ارتباطها العاطفي بالإسلام في الجانب العقدي والروحي والفردي مع ارتباطها العلمي والواقعي بالإسلام في الجانب التشريعي والتنظيمي. ومن هـنا تكتسب الدعوة إلى صياغة المعارف والنظم في حياة المسلمين صياغة إسلامية أهمية بالغة. بل إن تحقيق هـذا الهدف يعتبر التحدي الحقيقي الذي ينبغي على الأمة الإسلامية أن تواجهه في وقتها الراهن.

ويعتبر الإعلام فرعا مهما من فروع المعرفة العلمية والتطبيقية، التي تحتاج إلى العناية بتأصيل مفاهيمها، ومناهجها، وتهذيب أساليب وطرق ممارستها الواقعية وفقا لهدي الإسلام وتوجيهاته. وتتعاظم أهمية صياغة النظام الإعلامي: فلسفة وغاية ومنهجا وممارسة، صياغة إسلامية في ضوء إدراكنا لأهمية الإعلام في حياة المجتمعات، وخطورة ما يقوم به في التأثير على الأفراد والجماعات سلبا كان هـذا التأثير أو إيجابا.

إن المبرر المنطقي للمطالبة بصياغة الإعلام صياغة إسلامية، يؤكد على أن هـذه الصياغة نتيجة منطقية لشمول المنهج الإسلامي وتكامله.

2- المبرر الواقعي

يواجه المسلمون اليوم في مختلف أقطارهم ومواطنهم غزوا فكريا وثقافيا وحضاريا رهيبا. ولم يعد هـذا الغزو الحضاري الشامل مقصورا على الوسائل التقليدية للغزو من كتب استشراقية، أو مذاهب هـدامة، أو مؤامرات استعمارية مكشوفة. لقد انتهى عصر الغزو الاستعماري الاستشراقي المباشر. إن الغزو الحضاري الذي تواجهه الأمة الإسلامية يستخدم وسائل جديدة، وأساليب جديدة. إن الرسالة الغازية تعبر إلى [ ص: 32 ] الأجيال الصاعدة، بل إلى العقول المثقفة، عن طريق الخبر الذي تبثه وكالة الأنباء، والتحليل السياسي، أو الاقتصادي الذي تكتبه الصحيفة، والصورة التي ترسلها الوكالات المصورة. والرسالة الغازية تعبر إلى العقول المثقفة عن طريق الفيلم التلفازي المدهش، وعن طريق شريط الفيديو ، وعن طريق البرنامج الإذاعي المشوق. والرسالة الغازية تعبر إلى الأجيال الصاعدة عن طريق فيلم الكرتون المتقن. والرسالة الغازية تعبر إلى العقول المثقفة والأجيال الصاعدة عبر النظريات المدسوسة في مناهج التربية والتعليم، معللة بدعاوى العلم والتقدم والاكتشافات الحديثة !!

ولقد أعجبتني كلمة معبرة لأحد المثقفين يقول فيها: ( إن الغزو الثقافي الخطر اليوم لم يعد يأخذ صورة مبشر في كنيسة يقنع ( المحليين الهمج ) باعتناق ( ديانة متحضرة ) وإن كانت النشاطات التبشرية في بعض أنحاء العالم الثالث لا تزال مصدر تهديد ثقافي لا يستهان به، والغزو الثقافي الخطر اليوم لم يعد يتخذ شكل مؤامرة استعمارية تستهدف تشكيك شعب ما في تاريخه وأخلاقه وديانته، وإن كان الحديث لا ينقطع عن مؤامرات كهذه، حقيقية أو وهمية. إن أخطر ما في الغزو الثقافي المعاصر أنه أصبح ذا دافع ذاتي تلقائي، يتم دون مجهود من الجهات الغازية، ويتم دون أن يدرك ضحية الغزو أنه معرض لأي خطر، فيقدم في حماسة وبلاهة، لا على قبول الغزو فحسب، بل إلى اعتناقه واحتضانه. هـنا مكمن الخطر ) .

إن هـذا الغزو الحضاري الرهيب يعمل على زعزعة مبادئ الإسلام وقيمه وهدم أخلاقياته ومثله في نفوس أبناء المسلمين؛ لينشأوا في غربة عن دينهم وحضارتهم وتراثهم، ويصبحوا فريسة سائغة للأفكار الغربية ونمط الحياة الغربية بكل ما فيها من انحرافات ومفاسد وأوبئة. ولقد وصل هـذا الغزو إلى منازلنا ولم يعد أمامنا مفر من مواجهته، المواجهة الصحيحة التي لا تكتفي بالتنديد، والصراخ، والدعاء بالويل والثبور، بل بتطوير استراتيجية محكمة تعتمد على هـدفين : [ ص: 33 ]

الأول: توجيه الإعلام في الدول الإسلامية نحو الأصالة والذاتية النابعة من قيم الإسلام ومبادئه، وتوفير الجو الملائم والدعم المناسب لصنع البدائل الإسلامية التي تقف في مواجهة ما يقدمه الغرب.

والثاني: تنقية الإعلام -إلى جانب التعليم- من المؤثرات الغربية العلمانية والإلحادية ، وتفنيد ما تقدمه وسائل الإعلام الغربية من مفاسد وانحرافات وبيان عوارها وتهافتها بمنطق مقنع وبوسائل مكافئة.

وهذه المواجهة الواقعية للغزو الفكري والثقافي في صورتها الشاملة المتكاملة المتكافئة لن تتحقق إلا عندما تتبلور في أذهان المسلمين الصورة الحقيقية للإعلام الإسلامي، وتتوالى معطياته الواقعية وثمراته العملية في واقعهم المعاصر، إذ لا يمكن أن يهزم الباطل الزائف إلا الحق الأصيل : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هـو زاهق ) ( الأنبياء: 18) .

3- المبرر الإنساني

وسائل الإعلام، لسان هـذا العصر. وقد أدرك أصحاب الديانات والمذاهب والأفكار أهمية استغلال هـذه الوسائل في سبيل إيصال أفكارهم وعقائدهم ومذاهبهم إلى الناس. وكان النصارى الصليبيون أكثر الناس إدراكا لهذه الأهمية، وأسبقهم إلى استخدامها في مجال التنصير .

وفي الوقت الذي ينشط فيه أصحاب الديانات المحرفة والمذاهب الفاسدة لاستغلال وسائل الإعلام لخدمة أغراضهم، نجد المسلمين غائبين عن الساحة الإعلامية إلا بعض جهود محدودة لا أثر لها.

والبشرية اليوم قد سئمت من الدين المحرف، وانصرفت عن المذهب الفاسد، وهي تعيش ضياعا وقلقا واضطرابا. وقد أثقل كاهل الإنسانية في وقتها الراهن كابوس الإلحاد والعلمانية ، والفساد الخلقي ، والظلم [ ص: 34 ] والاستبداد السياسي ، والاستغلال الاقتصادي ، والتفكك الاجتماعي ، وتعالت الصيحات تبحث عن مصدر للأمان والعدالة والحياة الكريمة، فأين سيجدون كل ذلك إلا في الإسلام ؟!!

إن البشرية اليوم بحاجة إلى الإسلام أكثر من أي وقت مضى. والمسلمون مطالبون -وفقا للتوجيه الإسلامي بمخاطبة الناس بلغتهم ووسائلهم- بأن يستخدمون وسائل الاتصال والإعلام في سبيل الدعوة إلى الإسلام، وتوضيح صورته الناصعة، وإبراز محاسنه وثمراته للناس في كل مكان. إن تبليغ رسالة الإسلام العالمية، وإيصال دعوته إلى البشرية كلها مبرر إنساني عظيم للدعوة إلى صياغة الإعلام صياغة إسلامية حتى يمكن أن يؤدي هـذا الإعلام دوره في الحياة الإنسانية.

التالي السابق


الخدمات العلمية