الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أثر القدوة

ويتضح من كلام هـذا، أن سلاحا بأيدي المسلمين قد ضيعوه، وقوة قد تفلت منهم. [ ص: 115 ]

ومن هـنا يتحدد دور الفرد المسلم، بأن يرسم من نفسه القدوة ، وأن يستشعر المسئولية، فيكون مثاليا أولا بالقدوة والعمل، في التطبيق والمنهج، ومتى بنى القاعدة التي تنطلق منها هـذه المسئولية الكبرى، فإن دوره يبدأ في الخطوة الثانية، التي حددتها الآية الكريمة، لكي يستحق الخيرية المطلوبة، والتي تتطلع إليها كل نفس، فيمن وصفهم الله بقوله: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) (آل عمران:110) .

واختيار ما ينعش النفوس، ويلامس أوتار القلوب، وقت اشتداد الأزمة، له دور في الاستجابة والتعمق.. فكل من ضرب على وتر لا بد أن يشجي سامعه، ويؤثر في عقله الباطني.

لقد أصبح سائدا في المجتمعات الرأسمالية ، والاشتراكية على السواء، أن الاعتقاد الديني لا دور له في ربط الحياة بالعقيدة.. وهذا الرأي جاء بعد أن تطور العقل البشري في نظرهم، واصبح لا يؤمن إلا بالمحسوسات، أو الماديات الماثلة، كنموذج للمعادلات الرياضية.

هذا العقل في حاجة إلى من يفهمه، وإلى من يجذبه نحو الإسلام في الفرصة الملائمة، وعند اشتداد المحن عليه.

فهناك حالات تحتاج النفس إلى من يشد إزرها، ويسندها في حالة الضعف، ولا نترك لليأس مجالا للتسرب.. فمثلا، في المعمل نقرن الظاهرات التركيبية بقدرة الله، ونستشهد بما يتلاءم مع حالاتها.

وفي الفضاء.. والذرة.. نربط العلم الحديث بظواهره الكونية التي استولت على المشاعر بعلم الخالق، وقدرته على التكوين،قارنين ذلك بالأجسام الغيرة، التي لم نقف على كنه طبيعتها، فكيف بسر وجودها، في الدقة المتناهية، ثم إحاطة الله سبحانه بكل شيء فيها وفي غيرها، مما ندرك وما لا ندرك ( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) (يونس:61) . [ ص: 116 ]

وفي الظاهرات الزراعية والنباتية، بإحكام خالق الحب والنوى في صنعه، ودقته في تهيئة الثمار لغذاء البشر، والكائنات الحية وعظمته في أسرار هـذه النباتات وألوانها مما يقصر دونه الفهم، ويقف دونه الإدراك.

وفي البيع والشراء، والمعاملات اليومية، نوضح أمام هـؤلاء أن المسلمين منطلقهم قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله امرءا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى. ) وقوله: ( وخالق الناس بخلق حسن. ) أشياء وأشياء تفيد المسلم عندما يتعمق، وتجذب غيره للمعين الذي يستقي منه، بعدما يوازن ويعلم أن هـذا الدين بمتطلباته العقائدية، لم يبتعد عن متطلبات الحياة والنفس، ولم يجانف ما يتمشى مع كل جديد على وجه الأرض، ولا يتعصب ضد ما فيه صلاح الفرد، وعدم الإضرار بالجماعة : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ( الأعراف: 32) .

وصدق الله إذا يقول: ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ( الأنعام: 38) . أمور في الحياة يجهلها كثير من المسلمين، فما بالك بغيرهم، يحسن أن نرسخها في الأذهان، وننميها في التصرفات والعمل، حتى نكون دعاة بطبعنا، مخلصين لعقيدتنا وتعاليمنا، مؤدين لما طلب منا. [ ص: 117 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية