فصل
وأما فهذا مخطئ بإجماع المسلمين، بل قد قال من قال: لا يوجد اليوم منافق، إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم: إن النفاق اليوم أكثر منه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والمنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وهذا موجود في سائر الأعصار، بل إذا كان مع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وآياته وسماع كلامه يكون المنافقون موجودين فبعده أولى وأحرى. حذيفة بن اليمان
وأما قوله: إنه يقال زنديق، ولا يقال منافق، فهذا جهل منه، فإن لفظ "زنديق" لفظ معرب لم ينطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولكن نطقت به الفرس، فأخذته العرب فعربته. ومعنى الزنديق الذي تنازع الفقهاء في قبول توبته هو معنى المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ولهذا قال الفقهاء: إن الزنديق هو المنافق، وتنازعوا في قبول توبته. واحتج وغيره ممن يرى قبول توبة الزنديق بأن المنافقين الذي كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله. وكذلك تكلم [ ص: 134 ] الفقهاء من الطوائف الأربعة وغيرهم في أحكام الزنديق، مثل ميراثه، ووجوب إعادة ما فعله من العبادات، وأمثال ذلك، وكلهم يحتج على ذلك بأحكام النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين الذين كانوا على عهده، وذلك لعلم الأئمة أن الزنديق هو المنافق، وكل زنديق يظهر الإسلام ويبطن الكفر فإنه منافق، يسمى منافقا، ويدخل في المنافقين المذكورين في القرآن، ومن أنكر هذا فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. الشافعي
واسم النفاق والكفر ونحوهما قد يعبر به عن بعض شعب الكفر والنفاق، وهذا هو النفاق الأصغر وهو الذي خافته الصحابة على أنفسهم، كما في صحيح أن حنظلة الكاتب لقي مسلم فقال: نافق حنظلة، نافق حنظلة. أبا بكر الصديق
وذكر عن البخاري قال: أدركت ثلاثين من أصحاب ابن أبي مليكة محمد كلهم يخاف النفاق على نفسه. وقد صنف كتابا في صفة المنافق ، ذكر فيه من الأحاديث والآثار ما لا يتسع له هذا الموضع، وقد قال جعفر بن محمد الفريابي الحافظ وغيره في قوله تعالى: ابن عباس ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، فأولئك هم الفاسقون ، فأولئك هم الظالمون ، [ ص: 135 ] قال: كفر دون كفر، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، والرياء شرك" وفي حديث آخر: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب والاستسقاء بالأنواء" ونظائر ذلك كثيرة، والله أعلم. [ ص: 136 ] "لا ترغبوا عن آبائكم، فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم" .