الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله: "فلما تحركت الإرادة الأزلية أن يعرض نفسه على الحقائق الكونية المعدومة في نفسها المشهودة أعيانها في علمه في تجليه المطلق، نزلت الحلية الإلهية من حقيقة كانه إلى سر شأنه، فعند ذلك قارن الألف النون، فعبر عنها بـ"أنا"، وعند ذلك ظهرت نقطة سميت عقدة "حقيقة النبوة"، فهو صورة علم الحق بنفسه الواقعة بصورة العمل، المطابقة للصفة المعلومية، فصارت مرآة [ ص: 404 ] لانعكاس الوجود المطلق محلا لتمييز صفاته القديمة، فظهر الحق فيه بصورة وصفة واصفا يصف نفسه ويحيط به، فالأول هو الموصوف والثاني هو الواصف؛ والأول هو المسمى باسم الله، والثاني هو المسمى باسم الرحمن. فلهذه الحقيقة طرفان: طرف إلى الحق المواجه إليها الذي ظهر فيه الوجود الأعلى واصفا، وطرف إلى ظهور العالم منه، وهو المسمى بالروح الإضافي".

ومضمون هذا الكلام أن الله لما أراد أن تتجلى الحقائق الثابتة في علمه كما كانت متجلية له نزل من الذات إلى الفعل فقال: "أنا"، وظهرت حينئذ حقيقة النبوة، وهي صورة علم الحق بنفسه، فظهر فيها الوجود المطلق الذي كان في علم الله بطريق الانعكاس، كما ينعكس شعاع أحد المرآتين إلى الأخرى، وصارت محلا لتمييز صفاته القديمة، فصار الحق واصفا موصوفا، واصفا باعتبار ظهور علمه المطابق له وموصوفا، وجعل الموصوف هو الله والواصف هو الرحمن، وجعل لهذه الحقيقة التي سماها عقدة "حقيقة النبوة" طرفا إلى الحق لكونها عالمة به، وطرفا إلى ظهور العالم فيه وهو المسمى بالروح الإضافي.

وهذا كله عندهم في نفس الرب، وهذا كله عنده قديم أزلي كما قال في آخر كلامه، فيكون المصطفى محمد نبيا في الأزل والأبد وسطا بين الله وعباده.

وأنا أعلم أن هذا الذي يصفونه ليس له حقيقة في الخارج، وإنما هو شيء تخيلوه، ولهذا يصعب تصوره، لأن الخيالات [ ص: 405 ] الفاسدة ليس لها حد. وما أكثر ما يوجد هذا في كلام هؤلاء الملحدة في أسماء الله وآياته المشابهين للإسماعيلية والنصيرية والفرعونية، ولهذا كان العلماء يقولون عنهم: لهم خيال واسع، والخيال والوهم محل الشياطين الذين يتنزلون عليهم بهذا.

فيقال: قولك: "تحركت الإرادة الأزلية" عبارة فيها إنكار، فلو قال: "توجهت أو تعلقت الإرادة" كان أحسن. ومتى كانت هذه الحركة؟ أهي قديمة معه لم تزل أم كان ذلك بعد أن لم يكن؟ فإن كان قديما بطل قولك: "فلما تحركت الإرادة الأزلية نزل من كانه إلى شأنه"، فإن هذا ظرف لفعلات يقتضي تحولا من حال إلى حال، والفعل الذي له ظرف زمان لا يكون إلا حادثا، ولذلك قلت: "فعند ذلك قارن الألف النون فعبر عنها". والقديم ليس له ظرف زمان يتحول فيه، فإنه لم يزل، وإن قلت: إن هذا محدث بطل قولك بعد هذا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من الأزل إلى الأبد.

التالي السابق


الخدمات العلمية