الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وخروج النساء في الجنائز منهي عنه، لا سيما إذا كان النساء ينحن أو يضربن خدودهن ويرفعن أصواتهن، فإن هذا نزاع بلا ريب، سواء فعلته مع الجنازة أو في حال غيبتها، لكنه معها بحضور الرجال أشد. وفي الصحيحين عن أم عطية قالت: نهينا عن اتباع الجنائز. وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نسوة مع جنازة، فقال لهن: "هل تحملن مع من يحملن؟ " قلن: لا، قال: "هل تحفرن [ ص: 148 ] مع من يحفرن؟" قلن: لا، قال: "هل تدلين مع من يدلي؟ " قلن: لا، قال: "فارجعن مأزورات غير مأجورات، فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت". ومعنى قوله: "تؤذين الميت" أي بالنياحة، فإنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: "من نيح عليه يعذب بما نيح عليه". وقد بسطنا الكلام على هذا الحديث في غير هذا الموضع، وبينا أن ما يحصل للألم بنياحة الحي ليس عقوبة له على ذنب غيره، بل النائحة تعاقب على نياحتها، كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تلبس يوم القيامة درعا من جرب وسربالا من قطران".

فالميت ما يحمل وزر النائحة، بل يحصل له بنياحتها من الألم الذي يتعذب به ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وليس كل ألم يحصل للإنسان بسبب من الأسباب يكون عقوبة عليه، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". فقد تبرأ ممن لطم الخدود وشق الجيوب، والجيب هو طوق الثوب، كما يفعله بعض المصابين حين يشق ثيابه. والدعاء بدعوى الجاهلية مثل أن يقول: يا ركناه! يا عضداه! يا ناصراه! ونحو ذلك، وهذا هو الندب، لأنه يندب الميت، أي يدعوه، والميت لا يجيب دعاءه، ولا منفعة في هذا الندب لا للحي وللميت، [ ص: 149 ] بل فيه ضرر عليهما، فإنه قد ثبت أن عبد الله بن رواحة أغمي عليه، فجعلت أخته تندب عليه، فلما أفاق قال: ما قلت في شيء إلا قيل لي: أنت كذلك؟ أنت كذاك؟.

وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه تبرأ من الحالقة والصالقة والشاقة. فالحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة التي ترفع صوتها بالمصيبة، والشاقة التي تشق ثيابها عند المصيبة.

والأحاديث في ذلك كثيرة، حتى قال جرير بن عبد الله البجلي: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة، رواه أحمد، أي: إذا اجتمع الناس وصنع أهل الميت للناس وليمة، فهذا من عمل الجاهلية، وإنما السنة أن يصنع لأهل الميت طعام لاشتغالهم بمصيبتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه نعي جعفر: "اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم ما يشغلهم".

التالي السابق


الخدمات العلمية