الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قوله "كانت بأسرها منكشفة في حقيقة العلم شاهدا لها"، فهنا كلامان:

أحدهما: أن هذا يقتضي أنه كان يرى المعدومات قبل وجودها. وهذه مسألة قد تنازع فيها المسلمون، فأما العلم بها قبل وجودها فهو حق، لم يخالف به إلا شرذمة كفرهم الأئمة كالشافعي وأحمد . وأما سمع المعدوم ورؤية المعدوم فذهب أكثر العلماء والمتكلمين من أصحاب الشافعي وأحمد والأشعرية والمعتزلة إلى امتناع ذلك؟ وذهب طائفة منهم من السالمية وغيرهم إلى جواز ذلك. وهذا قريب، ليس هذا مما يخاطب فيه هؤلاء الاتحادية، فإن هؤلاء لو قالوا بقول المعتزلة أو اليهود أو النصارى كان خيرا من قولهم، وأما قولهم فلم يظهر في الإسلام إلا مع ظهور دولة التتار. لكن كان حق القائل أن يذكر حجة تدل على أن المعدومات مشهورة مرتبة، فإن موارد النزاع إذا لم يكن فيها حجة كانت دعوى مجردة.

الكلام الثاني: أن يعلم أن قولنا: "كان يعلم الأشياء قبل كونها" ليس في ذلك إثبات لكون المعدوم شيئا في نفسه، فإن مذهب جماهير المسلمين وجماهير العقلاء أن الشيء قبل وجوده ليس بشيء أصلا، وأنه وإن كان معلوما لله فالعلم بالشيء لا يقتضي أن يكون موجودا ولا ثابتا، إلا أن يقيد فيقال: موجود في العلم وثابت [ ص: 403 ] في العلم. وذلك أن الله يعلم الموجود والمعدوم والواجب والممكن والممتنع، وقد اتفق العقلاء على أن الممتنع ليس بشيء، وإنما نازع بعضهم في الممكن، فقال فريق من المعتزلة والرافضة : المعدوم الممكن شيء ثابت في نفسه خارجا عن العلم. ثم هؤلاء متفقون على أنه ليس كل ممكن وجد.

فهذا أيضا ينبغي أن نعرفه، فلا فرق عند أهل السنة وجماهير الخلق بين الوجود والثبوت، بل المعدوم كما قال الله تعالى: وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ، وقال: أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا . فإذا قال: "إنه معلوم لله" فهذا حق، لا فرق بين أن يقال: هو ثابت في العلم أو موجود في علم الله.

الوجه الثالث

التالي السابق


الخدمات العلمية