الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله "عبر عنها بأنا" فقبل ذلك ما كان يقال له أنا لما كان ولا شيء معه، لم يكن يستحق أن يقول أنا ولم يقل أنا، ولم يستحق أن يقول أنا حتى نزل هذا النزول الذي ليس له حقيقة ولا معقول.

وكذلك هذه النقطة التي ظهرت، ما الموجب لظهورها؟ وأين ظهرت هذه النقطة؟ ثم أغرب من هذا كله تسمية هذه النقطة عقدة حقيقة النبوة، يا ليت شعري من الذي سمى هذه النقطة بهذا الاسم؟! هل أنزل الله بهذا الاسم من سلطان؟ أم هي أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان؟

قد علمنا وتحققنا أن هذا الاسم المفترى ليس له وجود في شيء من الكتب المنزلة من السماء، ولا هو مأثور عن أحد من الأنبياء، ولا تكلم به أحد السلف القدماء ولا من المشايخ والعلماء إلا هؤلاء المقاربون لدولة التتار الذين بشؤم الكفر به استولى الكفار والفجار، وجاسوا خلال الديار، حيث ألحدوا في أسماء الله وآياته، وغيروا ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق الذي وعد أن يظهره على الدين كله.

ثم هذه النقطة العجيبة التي سميتموها عقدة حقيقة النبوة أهي من الأعيان التي تقوم بنفسها من غير محل؟ أم هي من الصفات [ ص: 412 ] التي لا بد لها من محل؟ فإن كانت عينا قائمة بنفسها فإما أن تكون هي الحق أو غيره، فإن كانت الحق فلم يتجدد شيء، وإن كانت غيره فقد حدث غير الرب، فقد جعل الحق يظهر فيه وسماه الرحمن، فيكون الرحمن اسما لغير الله. وإن كانت صفة من الصفات، وليس هنا ما يقوم به إلا الرب، فتكون هذه النقطة صفة له، أفهي حادثة أم قديمة؟ فإن كانت قديمة فلم يتجدد شيء، وإن كانت حادثة وهي صورة علم الحق فقد تجدد له علم لم يكن له قبل ذلك، وهذا -مع أنه كفر- لا يقولون به، لأنه تقدم أنه كان عالما بنفسه وبسائر المعلومات.

ومقصوده بهذه الكلمات أن الحق صار معلوما متجليا لمعلوماته بعد أن كان عالما بها وهي متجلية له، وقد قدمنا أنه لا يتجلى لجميعها إلا أن يعنى بتجليه لها دلالتها عليه أو علمها به، كما قيل في قوله: وإن من شيء إلا يسبح بحمده . ففي الجملة كون الحق يصير معلوما لبعض الخلق أو كلهم هذا معنى صحيح، لكن كيف يعلمونه قبل أن يخلقهم.

فإن قيل: لأنهم في علمه.

قلنا: وهم في علمه عالمون به، فإنه يعلم الأشياء على ما عليه، فيعلم المؤمن مؤمنا والكافر كافرا، والعالم عالما والجاهل جاهلا، وأي حال تجدد للشيء فإنه يعلمه عليه في علمه قبل أن [ ص: 413 ] يكون، كما يعلم نفس الشيء قبل أن يكون، فلا يتصور أن تصير المخلوقات عالمة في الخارج إلا بعد وجودها في الخارج، كما لا يعلم أنها عالمة إلا إذا علمت هي، فإن ثبوت الصفة بدون الموصوف في الخارج أو العلم محال.

فهذا التقسيم والتحقيق يكشف ما أبدوه من الزخرف والتزويق، فإن هذه الحقيقة إن كانت صفة لله ليعلم بها نفسه ومعلوماته، فالله علم بذلك قبل ظهور هذه الحقيقة؛ وإن كانت صفة لغيره فلا يتصور وجودها قبل وجود ذلك الغير.

التالي السابق


الخدمات العلمية