منهي عنه، لا سيما إذا كان النساء ينحن أو يضربن خدودهن ويرفعن أصواتهن، فإن هذا نزاع بلا ريب، سواء فعلته مع الجنازة أو في حال غيبتها، لكنه معها بحضور الرجال أشد. وفي الصحيحين وخروج النساء في الجنائز قالت: نهينا عن اتباع الجنائز. أم عطية وفي السنن عن ومعنى قوله: "تؤذين الميت" أي بالنياحة، فإنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نسوة مع جنازة، فقال لهن: "هل تحملن مع من يحملن؟ " قلن: لا، قال: "هل تحفرن [ ص: 148 ] مع من يحفرن؟" قلن: لا، قال: "هل تدلين مع من يدلي؟ " قلن: لا، قال: "فارجعن مأزورات غير مأجورات، فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت". وقد بسطنا الكلام على هذا الحديث في غير هذا الموضع، وبينا أن ما يحصل للألم بنياحة الحي ليس عقوبة له على ذنب غيره، بل النائحة تعاقب على نياحتها، كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نيح عليه يعذب بما نيح عليه". "إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تلبس يوم القيامة درعا من جرب وسربالا من قطران".
بل يحصل له بنياحتها من الألم الذي يتعذب به ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وليس كل ألم يحصل للإنسان بسبب من الأسباب يكون عقوبة عليه، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: فالميت ما يحمل وزر النائحة، فقد تبرأ ممن لطم الخدود وشق الجيوب، والجيب هو طوق الثوب، كما يفعله بعض المصابين حين يشق ثيابه. والدعاء بدعوى الجاهلية مثل أن يقول: يا ركناه! يا عضداه! يا ناصراه! ونحو ذلك، وهذا هو الندب، لأنه يندب الميت، أي يدعوه، والميت لا يجيب دعاءه، ولا منفعة في هذا الندب لا للحي وللميت، [ ص: 149 ] بل فيه ضرر عليهما، فإنه قد ثبت أن "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". أغمي عليه، فجعلت أخته تندب عليه، فلما أفاق قال: ما قلت في شيء إلا قيل لي: أنت كذلك؟ أنت كذاك؟. عبد الله بن رواحة
وفي الصحيحين فالحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة التي ترفع صوتها بالمصيبة، والشاقة التي تشق ثيابها عند المصيبة. عنه صلى الله عليه وسلم أنه تبرأ من الحالقة والصالقة والشاقة.
والأحاديث في ذلك كثيرة، حتى قال كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة، رواه جرير بن عبد الله البجلي: أي: إذا اجتمع الناس وصنع أهل الميت للناس وليمة، فهذا من عمل الجاهلية، وإنما السنة أن يصنع لأهل الميت طعام لاشتغالهم بمصيبتهم، كما أحمد، "اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم ما يشغلهم". جعفر: قال النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه نعي