وأما فهذا ليس بمشروع، فإن هذا لم يفعله أحد من السلف، ولا استحبه أحد من الأئمة، ولا فيه أثر عمن مضى، والعبادات مبناها على الاستنان والاتباع، لا على الهوى والابتداع، قال تعالى: قول السائل: "بحرمة فلان "الميت" أن تقضي حاجتي أو تغفر لي" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة".
ولو كان هذا مشروعا لأحد أو في حق أحد لكان أحق الناس بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أفضل الخلق [ ص: 171 ] وأكرمهم على ربه، وأقربهم إليه وسيلة حيا وميتا، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أن أنس كان إذا أجدب استسقى عمر بن الخطاب وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. فأخذوا بالعباس بن عبد المطلب، يتوسلوا به، وجعل يدعو ويدعون معه، كما كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم عند الاستسقاء، ولم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدعوا هناك، ويفعلون ما يفعله كثير من الناس عند من ليس مثل النبي صلى الله عليه وسلم، من سؤاله أو السؤال منه وغير ذلك. ولهذا ذكر العلماء في الاستسقاء ما فعله الصحابة، ولم يذكروا ما ابتدعه الجاهلون. العباس
فالمقصود بالزيارة الدعاء للميت على جنازته، والله تعالى يثيب العبد على دعائه له، كما يثيبه على الصلاة عليه، وقد يكون الداعي أفضل من المدعو له، وقد يكون المدعو أفضل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: رواه "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنه درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة". والله أعلم. [ ص: 172 ] مسلم،