مسألة
في
nindex.php?page=treesubj&link=9909_25562معنى قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=670280 "من قتل دون ماله فهو شهيد"، وهل يجب على الشخص أن
nindex.php?page=treesubj&link=9909يبذل ثلث ماله قبل القتال -كما هو متعارف بين الناس- أم يجوز ذلك؟ وهل الواجب عليه
nindex.php?page=treesubj&link=25562الدفع عن نفسه وأهله وماله دون البذل؟
الجواب
قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=670280 "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون حرمته فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد".
واتفق العلماء على أن
nindex.php?page=treesubj&link=9909_9907قطاع الطريق إذا تعرضوا لأبناء السبيل يريدون أموالهم فإن لهم أن يقاتلوهم دفعا عن أموالهم، إذا لم يندفعوا إلا بالقتال، ولا يجب عليهم أن يبذلوا لهم من المال لا قليلا ولا كثيرا، لا الثلث ولا غير الثلث، لكن إن أحبوا هم أن
[ ص: 230 ] يبذلوا ذلك ويتركوا القتال فلهم ذلك، وليس بواجب عليهم، إلا أن يكونوا عاجزين عن القتال، فحينئذ يصالحونهم بما أمكن، ولا يقاتلون قتالا تذهب فيه أنفسهم وأموالهم.
وأما الوجوب فلا يجب عليهم الدفع عن أموالهم، بل لهم أن يقاتلوا عنها ولهم أن يبذلوها، لأن إعطاء المال لهم جائز، وإمساكه عنهم جائز، والعبد يفعل أصلح الأمرين عنده.
وأما الدفع عن الحرمة مثل أن يريد الظالم أن يفجر بامرأة الإنسان أو ذات محرمه أو بنفسه أو بولده ونحو ذلك، فهذا يجب عليه الدفع، لأن التمكين من فعل الفاحشة لا يجوز، كما لا يجوز بذل المال، فيجب عليه أن يدفع ذلك بحسب إمكانه، وإذا لم يندفع إلا بالقتال وهو قادر عليه قاتل.
وأما دفعه عن دمه فهو جائز أيضا، لكن في وجوبه قولان للعلماء هما روايتان عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد:
أحدهما: لا يجب، لأن ابن
آدم المظلوم لما أراد أخوه قتله لم يدفع عن نفسه، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين .
وكذلك أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان لما طلب
الخوارج قتله لم يدفع
[ ص: 231 ] عن نفسه، وأمر الذين جاءوا ليقاتلوا عنه -كغلمانه وأقاربه
nindex.php?page=showalam&ids=35والحسن بن علي nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير وغيرهم- أن لا يقاتلوا، وكان ذلك من مناقبه رضي الله عنه.
والقول الثاني: يجب الدفع عن نفسه، لأن قتله بغير حق محرم، فلا يجوز له التمكين من محرم.
وهذا إذا لم تكن فتنة، وأما إذا كانت فتنة بين المسلمين، مثل أن يقتتل رجلان أو طائفتان على ملك أو رئاسة أو على أهواء بينهم، كأهواء القبائل والموالي الذين ينتسب كل طائفة إلى رئيس أعتقهم، فيقاتلون على رئاسة سيدهم، وأهواء أهل المدائن الذين يتعصب كل طائفة لأهل مدينتهم، وأهواء أهل المذاهب والطرائق كالفقهاء الذين يتعصب كل قوم لحزبهم ويقتتلون، كما كان يجري في بلاد الأعاجم، ونحو ذلك، فهذا قتال الفتنة ينهى عنه هؤلاء وهؤلاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662148 "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه".
وفي الصحيح أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=688561 "من قتل تحت راية عمية يغضب لعصبة ويدعو لعصبة فليس منا - أو قال: - هو في النار". وقال صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=682214 "ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من [ ص: 232 ] الماشي، والماشي خير من الساعي، والساعي خير من المرجع" .
والأحاديث الصحيحة كثيرة في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن
nindex.php?page=treesubj&link=30202_25562القتال في الفتنة، بل عند التداعي بسعارها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=701129 "من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا"، يعني: إذا قال الداعي: يا لفلان! أو يا للطائفة الفلانية! فقولوا له: اعضض ذكر أبيك.
وفي الصحيحين عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=654525أن المسلمين كانوا معه في سفر، فاقتتل -يعني- رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة".
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون [ ص: 233 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والضلالة.
وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=934892 "لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب". وقال صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661693 "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
فالله قد جعل المؤمنين إخوة مع الاقتتال، وأمر بالعدل بينهم، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله [ ص: 234 ] . فجعلنا إخوة مع الاقتتال والبغي، وأمر بالعدل بينهم.
فيجب على كل أحد أن يعظم أهل التقوى والحق ويكون معهم، سواء كانوا من طائفته أو لم يكونوا، ويقصد أن يكون الدين لله لا لمخلوق، فإذا فضل هؤلاء على هؤلاء لم يكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، بل يسعى بينهم بالعدل والإصلاح.
nindex.php?page=treesubj&link=30202فإذا طلب قتل الرجل في هذه الحال وهو لا يريد أن يقاتل أحدا، فهل له أن يدفع عن نفسه في هذه الحال؟ على قولين للعلماء هما روايتان عن أحمد:
إحداهما: لا يدفع عن نفسه وإن قتل، حتى لا يكون مقاتلا في الفتنة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسائل لما سأله عن ذلك:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662146 "دعه حتى يبوء بإثمه وإثمك".
والثاني: يجوز؛ لعموم الحديث، والأحاديث الخاصة تبين أنه نهى عن القتال في الفتنة وإن قتل مظلوما، ولهذا لم يقاتل
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه، لأنه رأى أن ذلك يفضي إلى الفتنة. والله أعلم.
[ ص: 235 ]
مَسْأَلَةٌ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=9909_25562مَعْنَى قَوْلِهِ nindex.php?page=hadith&LINKID=670280 "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"، وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=9909يَبْذُلَ ثُلُثَ مَالِهِ قَبْلَ الْقِتَالِ -كَمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ- أَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَهَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=25562الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ دُونَ الْبَذْلِ؟
الْجَوَابُ
قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=670280 "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ حُرْمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=9909_9907قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إِذَا تَعَرَّضُوا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يُرِيدُونَ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ دَفْعًا عَنْ أَمْوَالِهِمْ، إِذَا لَمْ يَنْدَفِعُوا إِلَّا بِالْقِتَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْذُلُوا لَهُمْ مِنَ الْمَالِ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، لَا الثُّلُثَ وَلَا غَيْرَ الثُّلُثِ، لَكِنْ إِنْ أَحَبُّوا هُمْ أَنْ
[ ص: 230 ] يَبْذُلُوا ذَلِكَ وَيَتْرُكُوا الْقِتَالَ فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونُوا عَاجِزِينَ عَنِ الْقِتَالِ، فَحِينَئِذٍ يُصَالِحُونَهُمْ بِمَا أَمْكَنَ، وَلَا يُقَاتِلُونَ قِتَالًا تَذْهَبُ فِيهِ أَنْفُسُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ.
وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الدَّفْعُ عَنْ أَمْوَالِهِمْ، بَلْ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا عَنْهَا وَلَهُمْ أَنْ يَبْذُلُوهَا، لِأَنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ لَهُمْ جَائِزٌ، وَإِمْسَاكَهُ عَنْهُمْ جَائِزٌ، وَالْعَبْدُ يَفْعَلُ أَصْلَحَ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُ.
وَأَمَّا الدَّفْعُ عَنِ الْحُرْمَةِ مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ الظَّالِمُ أَنْ يَفْجُرَ بِامْرَأَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَلَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ، لِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ فِعْلِ الْفَاحِشَةِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَذْلُ الْمَالِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ بِحَسْبِ إِمْكَانِهِ، وَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِالْقِتَالِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ قَاتَلَ.
وَأَمَّا دَفْعُهُ عَنْ دَمِهِ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا، لَكِنْ فِي وُجُوبِهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ، لِأَنَّ ابْنَ
آدَمَ الْمَظْلُومَ لَمَّا أَرَادَ أَخُوهُ قَتْلَهُ لَمْ يَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=28لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ .
وَكَذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ لَمَّا طَلَبَ
الْخَوَارِجُ قَتْلَهُ لَمْ يَدْفَعْ
[ ص: 231 ] عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَرَ الَّذِينَ جَاءُوا لِيُقَاتِلُوا عَنْهُ -كَغِلْمَانِهِ وَأَقَارِبِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=35وَالْحُسْنِ بْنِ عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=16414وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ- أَنْ لَا يُقَاتِلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّ قَتْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ مُحَرَّمٌ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّمْكِينُ مِنْ مُحَرَّمٍ.
وَهَذَا إِذَا لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلَ أَنْ يَقْتَتِلَ رَجُلَانِ أَوْ طَائِفَتَانِ عَلَى مُلْكٍ أَوْ رِئَاسَةٍ أَوْ عَلَى أَهْوَاءَ بَيْنَهُمْ، كَأَهْوَاءِ الْقَبَائِلِ وَالْمَوَالِي الَّذِينَ يَنْتَسِبُ كُلُّ طَائِفَةٍ إِلَى رَئِيسٍ أَعْتَقَهُمْ، فَيُقَاتِلُونَ عَلَى رِئَاسَةِ سَيِّدِهِمْ، وَأَهْوَاءِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُ كُلُّ طَائِفَةٍ لِأَهْلِ مَدِينَتِهِمْ، وَأَهْوَاءِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ وَالطَّرَائِقِ كَالْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُ كُلُّ قَوْمٍ لِحِزْبِهِمْ وَيَقْتَتِلُونَ، كَمَا كَانَ يَجْرِي فِي بِلَادِ الْأَعَاجِمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا قِتَالُ الْفِتْنَةِ يُنْهَى عَنْهُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662148 "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: "إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ".
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=688561 "مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ وَيَدْعُو لِعَصَبَةٍ فَلَيْسَ مِنَّا - أَوْ قَالَ: - هُوَ فِي النَّارِ". وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=682214 "سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ [ ص: 232 ] الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَالسَّاعِي خَيْرٌ مِنَ الْمَرْجِعِ" .
وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَثِيرَةٌ فِي نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=30202_25562الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، بَلْ عِنْدَ التَّدَاعِي بِسُعَارِهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=701129 "مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَتَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ هَنَ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا"، يَعْنِي: إِذَا قَالَ الدَّاعِي: يَا لَفُلَانٍ! أَوْ يَا لَلطَّائِفَةِ الْفُلَانِيَّةِ! فَقُولُوا لَهُ: اعْضَضْ ذَكَرَ أَبِيكَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=654525أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي سَفَرٍ، فَاقْتَتَلَ -يَعْنِي- رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ".
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهِ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [ ص: 233 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=104وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=934892 "لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسُودَ عَلَى أَبْيَضَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ". وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661693 "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ".
فَاللَّهُ قَدْ جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةً مَعَ الِاقْتِتَالِ، وَأَمَرَ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهِ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ [ ص: 234 ] . فَجَعَلَنَا إِخْوَةً مَعَ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ، وَأَمَرَ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ.
فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُعَظِّمَ أَهْلَ التَّقْوَى وَالْحَقِّ وَيَكُونَ مَعَهُمْ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ طَائِفَتِهِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا، وَيَقْصِدَ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ لَا لِمَخْلُوقٍ، فَإِذَا فُضِّلَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا مَعَ هَؤُلَاءِ، بَلْ يَسْعَى بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ وَالْإِصْلَاحِ.
nindex.php?page=treesubj&link=30202فَإِذَا طُلِبَ قَتْلُ الرَّجُلِ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنَّ يُقَاتِلَ أَحَدًا، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ:
إِحْدَاهُمَا: لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ قُتِلَ، حَتَّى لَا يَكُونَ مُقَاتِلًا فِي الْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلسَّائِلِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662146 "دَعْهُ حَتَّى يَبُوءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ".
وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَالْأَحَادِيثُ الْخَاصَّةُ تُبَيِّنُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَإِنْ قُتِلَ مَظْلُومًا، وَلِهَذَا لَمْ يُقَاتِلْ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الْفِتْنَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[ ص: 235 ]