ثم وأيضا فإن المعلوم قبل وجوده ليس هو سببا موجودا ثابتا يعرض فيه شيء أو يتجلى له شيء أصلا، فإنكالجمل الشرطية المعلقة بشرط معدوم مثل قوله: الله يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ، وقوله: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وقوله: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ، وقوله: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ونظائره متعددة. [ ص: 409 ]
بل فإنا نعلم ما مضى من القرون والأحوال، ونعلم أن القيامة ستقوم، وأنه سيدخل قوم الجنة وقوم النار، وقوم ما أخبر الله به من أن أهل النار لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. قد يعلم الله بعض عباده ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون،
ثم إذا علمنا الحوادث المستقبلة لم يكن أعيانها الحقيقية الخارجية موجودة في علمنا، بل وكذلك الماضية، فإن نفس السماوات والأرض ليست في نفوسها، فكيف يتصور أن يعرض نفسه أو يتجلى لشيء ما وجد بعد ولا صار له حقيقة؟ ولكن علم أن سيوجد. فإذا علم الله أنه سيولد ولد بعد حول، فهل يتصور قبل أن تحبل به أمه أن يعرض عليه شيئا أو يتجلى له شيء من الحقائق؟ وهل يتصور أن يكون المعدوم -وإن علم أن سيوجد- هل يتصور أن يكون عليما تجلت له الحقائق؟ فضلا عن أن يعرض نفسه عليه.
وأيضا "نزلت الحلية الإلهية من حقيقة كانه إلى سر شأنه" فيه أولا لفظة "كانه" كما استعملت أولا، وهذا خطأ، فإن الفعل لا يضاف، ولا يقال: "كانه وصاره وأصبحه"، وإن كان يستعمل هذا اللفظ في "شرح الأسماء الحسنى"، وهو كتاب جليل كثير الفوائد، لكن هذا اللفظ خطأ. أبو الحكم بن برجان