الباب الثاني والعشرون في آداب متفرقة صدرت منه- صلى الله عليه وسلم- غير ما تقدم
وفيه أنواع :
الأول : روي في مشاورته صلى الله عليه وسلم أصحابه
قال تعالى : وشاورهم في الأمر الآية [آل عمران 159] .
وروى سعيد بن منصور عن وابن المنذر الحسن في الآية قال : قد علم الله أن ما به إليهم من حاجة ، ولكن أراد ليستن به من بعده .
وروى ابن جرير وابن أبي خيثمة عن قال : أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- في الأمور ، وهو يأتيه الوحي من السماء- لأنه أطيب لأنفس القوم ، وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضا ، وأرادوا بذلك وجه الله تعالى عزم عليهم على أرشده . قتادة
وروى عن ابن أبي شيبة الضحاك قال : ما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة لما فيها من الفضل والبركة .
وروى ابن أبي حاتم والخرائطي رضي الله تعالى عنه- قال : ما رأيت من الناس أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبي هريرة- عن
وروى بسند جيد الطبراني عن وقال كتب عمر ، إلى أبو بكر الصديق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في الحرب فعليك به . عمر
وقد تقدم في باب الجهاد شيء من ذلك .
وروى ابن سعد عن يحيى بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس يوم بدر ، فقام الحباب بن المنذر ، فقال : نحن أهل الحرب أرى أن تغور المياه إلا ماء واحدا نلقاهم عليه قال : واستشارهم يوم قريظة والنضير ، فقام الحباب بن المنذر فقال : أرى أن ننزل بين القصور ، فنقطع خبر هؤلاء عن هؤلاء ، وخبر هؤلاء عن هؤلاء ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله .
وروى عن الحاكم رضي الله تعالى عنه- قال : علي- ابن أم عبد» . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو كنت مستخلفا أحدا من غير مشورة لاستخلفت
قال العلامة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد المرسي ، الأمور الممكنة على ضربين الضرب الأول : ما جعل الله فيه عادة مطردة لا تنخرم ، فهذا ما لا يستشار فيه بل من علم السيادة كان أعلم ممن لا يعلمها . [ ص: 399 ]
والضرب الثاني : ما كانت العادة فيه أكثرية ، فهذا الذي يستشار فيه ، فإن من حاول تلك الأمور أكثر كان عليه بها أكثر ورأيه فيها صواب ، ألا ترى أن من حاول التجارة علم وقت رخصها وغلائها وما يصلح منها للنشر وما لا يصلح ، فهذا يستشار فيها ، لأن علمه بها أكثر .
الثاني : في أنه صلى الله عليه وسلم كان كثير الصمت ، كثير الذكر ، قليل اللغو .
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن والبيهقي هند بن أبي هالة- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الذكر ، ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت .
وروى مسلم عن والبيهقي رضي الله تعالى عنه- قال : سماك بن حرب- انتهى . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصمت ، قليل الضحك
وروى الإمام والشيخان عن أحمد رضي الله تعالى عنه- قال : جابر بن سمرة- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصمت ، قليل الضحك .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن رضي الله تعالى عنه- قال : عبد الله بن أبي أوفى-
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ، ويقلل اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ولا يأنف ، ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين .
الثالث : في وأدابه مع خدمه وما كان يقوله ، ويفعله إذا اهتم ، وما يطرأ عليه من السرور عند فرحه ، وأنه كان يلمح الأشياء بمؤخر عينه ، ولا يلتفت ولا يصرف وجهه عن أحد إذا استقبله ، وصافحه ، وأنه لا يبث بصره في وجه أحد ، ومصافحته ، وما كان يقوله إذا أراد دخول قرية وغير ذلك غير ما سبق . عدم مواجهته أحدا بما يكره
روى عن النسائي رضي الله تعالى عنه- قال : أنس- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يواجه أحدا بشيء يكرهه ، ودخل عليه رجل يوما ، وعليه أثر خلوف ، فلما خرج الرجل قال : لو أمرتم هذا بغسله .
وروى ابن عدي محمد بن سلمة- رضي الله تعالى عنه- قال : قدمت من سفر فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فما ترك يدي حتى تركت يده . عن
وروى عن أبو داود رضي الله تعالى عنه- قال : أنس- ما رأيت أحدا التقم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه حتى يكون الرجل ، هو الذي ينحي رأسه ، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده .
وروى عنه أيضا قال :
الرجل هو الذي ينزع يده ، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرف وجهه . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافح الرجل لم ينزع يده حتى يكون [ ص: 400 ]
روى الطيالسي في الكبير والنسائي عن وابن حبان ابن مسعود عن وابن أبي شيبة جابر وخط عن يمينه وخط عن شماله فقال : «هذا سبيل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم وضع يده في الخط الأوسط جابر
ثم تلا هذه الآية وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط خطا هكذا أمامه فقال : «هذا سبيل الله- عز وجل- ثم خط خطوطا» ، ولقط أبو الحسن بن الضحاك عن رضي الله تعالى عنها- قالت : عائشة- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلمح بمؤخرة عينه ، ولا يلتفت .
وروى عن عبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه- قال : أنس- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استقبل الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع ولا يصرف وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرف ، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس .
وروى بسند جيد عن الطبراني رضي الله تعالى عنه- قال : ابن عمر- ثلاثا «اللهم ارزقنا حياها وحببنا إلى أهلها ، وحبب صالحي أهلها إلينا» كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية يريد دخولها ، قال : «اللهم بارك لنا فيها» .
وروى بسند جيد عن الطبراني أبي لبابة بن عبد المنذر- رضي الله تعالى عنه- . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد دخول قرية لم يدخلها ، حتى يقول : «اللهم ، رب السماوات السبع وما أظلت ورب الأرضين السبع وما أقلت ورب الرياح وما أذرت ورب الشياطين وما أضلت إني أسألك خيرها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها»
وروى النسائي رضي الله تعالى عنها- قالت : والله ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة ولا خادما ولا ضرب بيده شيئا قط . عائشة- ورواه عن وزاد الخلعي . «إلا أن يجاهد في سبيل الله»
وروى الترمذي رضي الله تعالى عنه- قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع : أنس-
وفي لفظ عشر سنين ، فما قال لي أف ، وما قال لشيء صنعته : لم صنعته ولا بئس ما صنعت وفي لفظ «ما قال لي : لم فعلت ؟ وألا فعلت هذا» . عن
وروى عنه قال : أبو داود
يضحك ، فقال : يا اذهب حيث أمرتك ، قلت : نعم يا رسول الله . أنس ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا فأرسلني يوما لحاجة فقلت : والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت أمر على صبيان ، وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه ، وهو [ ص: 401 ]
وروى الشيخان عنه قال : المدينة أخذ بيدي ، فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن أبو طلحة غلاما كيسا ، فليخدمك ، قال : أنسا
فخدمته في السفر والحضر فوالله ، ما قال لي لشيء قد صنعته : لم صنعت كذا ؟ ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا . هكذا رواه الإمام لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ أحمد بيدي مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هذا ابني وهو غلام يخدمك قال : فخدمته تسع سنين ، فما قال لي لشيء قط صنعته ، أسأت أو بئس ما صنعت . أم سليم «أخذت
وروى أبو ذر الهروي وأبو الحسن بن الضحاك رضي الله تعالى عنها- قالت : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيفة له فأبطأت عليه ، فقال : «لولا مخافة القصاص لأوجعتك بهذا السواك» أم سلمة- . عن
وروى أبو بكر بن أبي خيثمة عن رضي الله تعالى عنه- قال : أبي هريرة- وفي رواية : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اهتم أكثر من مس لحيته يقبض عليها أو يخللها .
وروي عن رضي الله تعالى عنها- عائشة- وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اهتم أكثر من مس لحيته ، «يقبض عليها أو يخللها» .
وروي عن رضي الله تعالى عنها عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اهتم أكثر ، أدخل يده في لحيته .
وروى أبو بكر بن أبي شيبة والبزار والحسن بن عرفة رضي الله تعالى عنه- قال : شهدت مع ابن مسعود- المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي من ملء الأرض من شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضب احمرت وجنتاه فجأة وهو على تلك الحال ، فقال : يا رسول الله ، لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن ، والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك ، أو يفتح الله لك فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك . عن
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره خر ساجدا لله تعالى .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن رضي الله تعالى عنه- جابر- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الرجل مغير الخلق خر ساجدا ، وإذا رأى القرد خر ساجدا ، وإذا قام من منامه خر ساجدا شكرا لله تعالى . [ ص: 402 ]
وروى عن النسائي رضي الله تعالى عنه- قال : كعب بن مالك- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استبشر استنار وجهه كأنه قطعة من القمر .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن رضي الله تعالى عنها- عائشة- وإذا رأى ما يكره قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يحب قال : «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»
«الحمد لله على كل حال» .
وروى ابن أبي خيثمة وأبو الحسن بن الضحاك عن عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- عبد الله بن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء ، وكان إذا بعث عاملا سأله عن اسمه ، فإن أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه ، وإن كره اسما رؤي كراهية ذلك في وجهه ، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها ، فإن أعجبه اسمها فرح بها ، ورؤي بشر ذلك في وجهه ، وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه .
وروى بسند جيد عن الطبراني رضي الله تعالى عنه- قال : أبي أيوب- الصفا والمروة ، فسقطت على لحيته ريشة ، فابتدر إليه فأخذها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «نزع الله عنك ما تكره» أبو أيوب . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين
وروى الإمام عن أحمد نافع رضي الله تعالى عنهما- سمع مزمار راع ، فوضع إصبعيه في أذنيه وعدل براحلته عن الطريق «وهو يقول : يا ابن عمر- نافع ، هل تسمع شيئا فأقول :
نعم ، فيمضي حتى قلت : لا ، فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق» وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع مزمار راع ففعل مثل هذا ، رواه أن وزاد أبو داود ، قال : الترمذي نافع وكنت إذ ذاك صغيرا .
وروى أبو الحسن بن الضحاك عن محمد بن عجلان قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب قدمه شوكة أو شيء ، فاسترجع لذلك ، فقال له بعض أصحابه ، ما هذا يا رسول الله ؟
قال : «إن الله إذا أراد أن يكبر الصغير كبر» .
وروى الإمام أحمد عمير بن إسحاق قال : كنت مع فلقينا الحسن بن علي فقال : اكشف لي عن بطنك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منك فقال فكشف له عن بطنه فقبله . أبو هريرة عن
وروى مسدد وابن أبي شيبة والإمام وأبو يعلى بسند صحيح عن أحمد رضي الله تعالى عنه- علي بن أبي طالب- جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو الوليد بن عقبة الوليد أنه ضربها فقال : «ارجعي ، فقولي له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارني» قال : فانطلقت فمكثت ساعة ، ثم جاءت فقالت : يا رسول الله ، ما أقلع عني ، قالت : فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم هدبة من ثوبه [ ص: 403 ] فأعطاها إياها ، فقال : «قولي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجارني ، هذه هدبة من ثوبه» فمكثت ساعة ، ثم إنها رجعت ، فقالت : يا رسول الله ما زادني إلا ضربا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال :
«اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا» . أن امرأة
وروى برجال ثقات الطبراني رضي الله تعالى عنه- قال : خرجت مهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس من بين خارج وقائم ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى جالسا إلا دنا إليه فسأله «هل لك من حاجة» وبدأ بالصف الأول ، ثم الثاني ، ثم الثالث حتى دنا إلي فقال : «هل لك من حاجة» فقلت : نعم ، يا رسول الله ، قال : «وما حاجتك» ؟ قلت : الإسلام ، قال : «هو خير لك» واثلة بن الأسقع- . عن
. . الحديث ، والله سبحانه وتعالى أعلم .