الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في رده صلى الله عليه وسلم هدية المشركين

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وأبو بكر وأحمد بن عمر بن أبي عاصم في كتاب (الهدايا) عن عياض بن حمار المجاشعي -رضي الله تعالى عنه- وكان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة قبل أن يبعث ، فلما بعث أهدى إليه هدية أحسبها إبلا ، فأبى أن يقبلها ، وقال : إنا لا نقبل زبد المشركين ، قال : قلت : وما زبد المشركين ؟ قال : رفدهم ، هديتهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 30 ] وفي لفظ : أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو هدية ، فقال لي : أسلمت ؟ قلت : لا ، قال : إني نهيت أن أقبل زبد المشركين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى موسى بن عقبة -رضي الله تعالى عنه- بسند رجاله ثقات ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، ورجاله من أهل الكتاب مرسلا ، أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك فأهدى له فقال : إني لا أقبل هدية المشركين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة رضي الله تعالى عنه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية فقال : إنا لا نقبل هدية المشرك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- قال : كان محمد أحب رجل في الناس إلي في الجاهلية ، فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر ، فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها بخمسين دينارا؛ ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة ، فأراده على قبضها هدية فأبى ، قال عبيد الله : حسبت أنه قال : إنا لا نقبل شيئا من المشركين ، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن ، فأعطيته إياها حين أبى الهدية .

                                                                                                                                                                                                                              زاد الطبراني : فلبسها فرأيتها عليه على المنبر فلم أر شيئا أحسن منه فيها يومئذ ، ثم أعطاها أسامة بن زيد ، فرآها حكيم على أسامة ، فقال : يا أسامة ، أنت تلبس حلة ذي يزن ؟ فقال : نعم ، والله لأنا خير من ذي يزن ، ولأبي خير من أبيه ، فانطلقت إلى أهل مكة أعجبهم بقول أسامة .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في امتناعه من قبول الهدية من غير قريش والأنصار وثقيف ودوس وأسلم ، وأمره- صلى الله عليه وسلم بعد قصة الشاة المسمومة من أهدى له هدية ولم يثق به أن يأكل منها ، وسؤاله بعض أصحابه أن يهب له دابة أو رقيقا

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والترمذي والحارث بن أبي أسامة والبخاري في الأدب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : أهدى رجل من بني فزارة ، وفي لفظ : إن أعرابيا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة ، وفي لفظ : بكرة فعوضه ، فسخطه ، وفي لفظ : فعوضه منها ست بكرات فسخطه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن فلانا أهدى إلي ناقة [ ص: 31 ] أعرفها كما أعرف (بعض) أهلي ، ذهبت مني يوم زغابات ، فعوضته ست بكرات ، فظل ساخطا ، لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول «يهدي أحدكم فأعوضه بقدر ما عندي ، ثم يسخطه ، وايم الله لا أقبل بعد عامي هذا هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي» ورواه أبو داود والنسائي مختصرا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لا أقبل هدية من أعرابي» فجاءته أم سنبلة الأعرابية ، الحديث المتقدم أول الباب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني وابن أبي شيبة عن يعلى بن مرة الثقفي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل : «هب لي هذا البعير أو بعنيه» قال : هو لك يا رسول الله ، فوسمه سمة الصدقة ، ثم بعث به .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية