الأول : لم ينشق القمر لأحد غير نبينا صلى الله عليه وسلم .
الثاني : وقع في بعض الروايات فأراهم انشقاق القمر أنس : بمكة مرتين رواه الإمام عن أحمد [ ص: 431 ] ومسلم .
قال الحافظ ابن كثير : في ذلك نظر ، والظاهر أنه أراد فرقتين وتكلم ابن القيم على هذه الرواية فقال : المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أكثر ومن الثاني «انشق القمر مرتين» أي شقتين وفرقتين ، وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين ، وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط ، لأنه لم يقع إلا مرة واحدة وقال قد حفظ ثلاثة من أصحاب البيهقي : وهم قتادة سعيد بن أبي عروبة ومعمر بن راشد ، وشعبة لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة ، ولم يختلف على وهو أحفظهم ، ولم يقع في شيء من طرق حديث شعبة بلفظ مرتين ، إنما فيه «فرقتين أو فلقتين» بالراء أو اللام وكذا في حديث ابن مسعود «فلقتين» وفي حديث ابن عمر «فرقتين» ، وفي لفظ عنه «فانشق باثنتين» ، وفي رواية عن جبير بن مطعم عن ابن عباس أبي نعيم في «الدلائل» «فصار قمرين» وفي لفظ : «شقتين» ، وعند من حديثه «حتى رأوا شقين» قال : ووقع في النظم لشيخنا الطبراني الحافظ أبي الفضل : وانشق مرتين بالإجماع ، ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين ثم ذكر كلام ابن القيم وابن كثير قال : وهذا لا يتجه غيره جمعا بين الروايات قال : ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور ولفظه :
فصار فرقتين فرقة علت وفرقة للطود منه نزلت وذاك مرتين بالإجماع
والنص والتواتر السماع
قال الحافظ : وإنما قال بمكة يعني أن الانشقاق كان وهم انشق القمر بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة ، وقول ابن مسعود جبل أبي قبيس ونصفا على قعيقعان . «انشق القمر نصفين نصفا على
قال الحافظ : وهو محمول على ما ذكرت ، وكذا ما وقع في غير هذه الرواية ومثله روايته عن وقد وقع عند عبد الله بن مسعود بيان المراد فأخرج من وجه آخر ابن مردويه وقال : «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ابن مسعود بمكة قبل أن نصير إلى المدينة فوضح أن مراده بذكر عن مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة ، ونحرر أن ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى . [ ص: 432 ]
وقال في موضع آخر في الكلام على الجمع بين روايتي والجمع بين قول ابن مسعود تارة ابن مسعود بمنى وتارة بمكة إما باعتبار التعدد إن ثبت ، وإما بالجملة على أنه كان بمنى ، ومن قال كان بمكة لا ينافيه لأن من كان بمنى كان بمكة من غير عكس ، ويؤيده أن الرواية التي فيها بمنى قال فيها : «ونحن بمنى» ، والرواية التي فيها «مكة» لم يقل فيها ونحن وإنما قال : «انشق بمكة» يعني أن الانشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة ، وقول رضي الله عنه ابن مسعود أبي قبيس ونصف على قعيقعان وأن لفظ السويد قال انشق القمر نصفين نصف على الحافظ : كان ليلتئذ بمكة ، وعلى تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة فلا تعارض ، وقد وقع عند من طريق الطبراني زر بن حبيش قال : «انشق القمر ابن مسعود بمكة فرأيته فرقتين ، وفي لفظ «السويداء» قال عن الحافظ : يحتمل أن يكون رآه كذلك وهو بمنى كأن يكون على جبل مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس ، قال : ويحتمل أن يكون القمر استمر منشقا حتى رجع من ابن مسعود منى إلى مكة فرآه كذلك وفيه بعد ، والذي يقتضيه غالب الروايات أن الانشقاق كان قرب غروبه يؤيد ذلك إسنادهم الرواية إلى جهة الجبل ثم قال الحافظ :
ويحتمل أن يكون الانشقاق وقع أول طلوعه ، فإن في بعض الروايات أن ذلك كان ليلة البدر ، أو التعبير بأبي قبيس من تغيير الرواة ، لأن الفرض ثبوت رؤيته منشقا إحدى الشقتين على جبل والأخرى على جبل آخر ولا يغير ذلك قول الراوي الآخر «رأيت الجبل بينهما» أي بين الفرقتين ، لأنه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن يساره مثلا صدق أن بينهما أي جبل آخر كان من جهة يمينه أو يساره صدق أنها عليه أيضا .
قال : وقد الفلاسفة انشقاق القمر متمسكين أن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الإسراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلاء إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الإسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين ، ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أجاب القدماء عن ذلك فقال أنكر جمهور أبو إسحاق الزجاج في المعاني : ولا إنكار للعقل فيه ، لأن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه . وأما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص بها أهل أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر مكة فجوابه أن ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام وقل من يراصد السماء إلا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة أي ينكشف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا [ ص: 433 ]
يشاهدها إلا الآحاد فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها .
قال ذهب بعض أهل العلم من القدماء إلى أن المراد بقوله تعالى وانشق القمر أي سينشق .
كما قال تعالى أتى أمر الله [النحل - 1] أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع ، الذي ذهب إليه الجمهور أصح ، كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر [القمر - 2] كما تقدم تقريره في أول الباب ، وذكر الإمام أن القمر انشق في عصره وأنه شاهد الهلال في الليلة الثالثة منشقا نصفين عرض كل واحد كعرض القمر ليلة أربع أو خمس ثم اتصل فصار في شكل أترجة إلى أن غاب . [ ص: 434 ] الحليمي