( 590 ) وكتبوا صح على المعرض للشك إن نقلا ومعنى ارتضي ( 591 ) ومرضوا فضببوا صادا تمد
فوق الذي صح ورودا وفسد ( 592 ) وضببوا في القطع والإرسال
وبعضهم في الأعصر الخوالي ( 593 ) يكتب صادا عند عطف الاسما
توهم تضبيبا كذاك إذ ما ( 594 ) يختصر التصحيح بعض يوهم
وإنما يميزه من يفهم
ثم إن كونها تكتب أعلى الحرف هو الأشهر الأحسن ، وإلا فلو كتبت عنده بالحاشية مثلا لا بجانبه لئلا يلتبس ، كفى ، لقول : كتابة ( صح ) على الكلام أو عنده ، كما أن كتابتها على المكرر من المعرض هو الأشهر أيضا . وإلا فقد قال ابن الصلاح ابن دقيق العيد : رأيت بعضهم إذا تكررت كلمات أو كلمة يكتب عددها في الحاشية بحروف الجمل .
[ التمريض ] : ( و ) كذا ( مرضوا فضببوا ) ما مرضوه حيث جعلوا ( صادا ) مهملة مختصرة من " صح " ، ويجوز أن تكون معجمة من ( ضبه ) ( تمد ) بدون تجويف للمد بل هكذا " صـ " ( فوق الذي صح ) من حرف فأكثر ، ( ورودا ) أي : من جهة الورود في الرواية ، ( و ) لكن ( فسد ) من جهة المعنى بأن يكون غير جائز من حيث العربية ، أو شاذا عند جمهور أهلها ، أو مصحفا أو ناقصا لكلمة فأكثر ، أو مقدما أو مؤخرا ، أو أشباه ذلك من غير خلط للإشارة بالممرض ; لئلا يلتبس بخط الضرب الآتي ، لا سيما عند صغر فتحتها إشارة بنصف " صح " إلى أن الصحة لم تكمل في [ ص: 94 ] ذاك المحل مع صحة نقله وروايته كذلك ، وتنبيها به لمن ينظر فيه على أنه متثبت في نقله غير غافل ، وإنما اختص التمريض بهذه الصورة فيما يظهر لعدم تحتم الخطأ في المعلم عليه ، بل لعل غيره كما قال ممن يقف عليه يخرج له وجها صحيحا . ابن الصلاح
يعني : ويتجه المعنى كما وقع لابن مالك في كثير من روايات " الصحيح " ، أو يظهر له هو بعد في توجيه صحته ما لم يظهر له الآن ، فيسهل عليه حينئذ تكميلها ( صح ) التي هي علامة المعرض للشك .
ووجدت في كلام ياقوت ما يشهد له ، فإنه قال : الضبة - وهي بعض ( صح ) - تكتب على شيء فيه شك ; ليبحث فيه ، فإذا تحرر له أتمها بالحاء فتصير ( صح ) ، ولو جعل لها علامة غيرها لتكلف الكشط لها ، وكتب ( صح ) مكانها . انتهى .
وكون الضبة ليست للجزم بالخطأ مما يتأيد به الصواب من سد باب الإصلاح خوفا من ظهور توجيه ما ظن خطؤه ، وقد تجاسر بعضهم - وأكثرهم من متأخري المحدثين كما أفاده عياض - أحد أكابر العلماء وأهل اللغة . كأبي الوليد هشام بن أحمد الوقشي
فكان كما قال تلميذه عياض : إذا مر به شيء لم يتجه له وجهه أصلحه بما يظن اعتمادا على وثوقه بعلمه في العربية واللغة وغيرهما ، ثم يظهر أن الصواب ما كان في الكتاب ، وتبين وجهه ، وأن ما غيره إليه خطأ فاسد كما سيأتي في إصلاح اللحن والخطأ . وإن كان ما وقع في الرواية خطأ محضا عند كل واقف عليه ، كتب فوقه ( كذا ) صغيرة ، كما قاله ابن الجزري وتبعه غيره ، وبين [ ص: 95 ] الصواب بالهامش كما سيأتي في إصلاح اللحن .
واستعير اسم الضبة لما ذكرناه إما من ضبة القدح التي تجعل لما يكون به من كسر أو خلل ، أشار إليه ، ولا يخدش فيه بأن ضبة القدح للجبر وهي هنا ليست جابرة ، فالتشبيه في كونها جعلت في الموضعين على ما فيه خلل . ابن الصلاح
وإما من ضبة الباب لكون الحرف مقفلا لا يتجه لقراءة ، كما أن الضبة يقفل بها ، أشار إليه أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن زكريا القرشي الزهري الأندلسي النحوي اللغوي ، عرف بابن الإفليلي بكسرة الهمزة وفاء ، نسبة إلى إفليل قرية برأس عين من أرض الجزيرة ، لكون سلفه نزلوا بها ، يروي عن وغيره ، وعنه الأصيلي أبو مروان الطبني ، مات في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة 441 ه عن تسعين سنة .
قال التبريزي في ( مختصره ) : ويجوز أن تكون إشارة إلى صورة ضبة ليوافق صورتها معناها . وقرأت بخط شيخنا ما حاصله : مقتضى تسميتها ضبة أن تكون ضادها معجمة ، ومقتضى تتميمها بحاء ( صح ) أن تكون مهملة . قال : لكن لا يمتنع مع هذا أن تكون معجمة ، ( و ) لم يخصوا الضبة بما تقدم ، بل ( ضببوا ) أيضا ( في ) موضع ( القطع والإرسال ) ليشترك في معرفة محل السقط العارف وغيره ، بل ربما يكون في بعض الأماكن لا يدركه العارف إلا بالنظر ، فيكفى بما يثق به من [ ص: 96 ] ذلك مؤنة التعب بالتفتيش .
( وبعضهم في الأعصر الخوالي ) حسبما وجد في الأصول القديمة ( يكتب ) أيضا ( صادا عند عطف الاسما ) بعضها على بعض حيث يقال مثلا : حدثنا فلان وفلان وفلان .
فـ ( توهم ) من لا خبرة له كونها ( تضبيبا ) وليست بضبة ، بل كأنها كما قال : علامة وصل فيما بينهما أثبتت تأكيدا للعطف خوفا من أن يجعل غير الخبير مكان الواو عن ، ( كذاك إذ ) أي : حيث ( ما يختصر التصحيح بعض ) من المحدثين ، فيقتصر على الصاد . ابن الصلاح
( يوهم ) أيضا كونه تضبيبا ، بل هو أقرب إلى الإيهام مما قبله ، ( وإنما يميزه ) بفتح أوله في الصورتين ( من يفهم ) فالفطنة والإتقان من خير ما أوتيه الإنسان .