الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ صحة السماع بدون النظر في الكتاب ] :

( ولينظر السامع ) استحبابا ( حين يطلب ) أي : يسمع ( في نسخة ) إما له أو لمن حضر من السامعين أو الشيخ ، فهو أضبط وأجدر أن يفهم معه ما يسمع ، لوصول المقروء إلى قلبه من طريقي السمع والبصر كما أن الناظر في الكتاب إذا تلفظ به يكون أثبت في قلبه ; لأنه يصل إليه [ ص: 83 ] من طريقين .

قال الزبير بن بكار في ( الموفقيات ) : ( دخل علي أبي وأنا أنظر في دفتر وأروي فيه بيني وبين نفسي ولا أجهر ، فقال لي : إنما لك من روايتك هذه ما أدى بصرك إلى قلبك ، فإذا أردت الرواية فانظر إليها واجهر بها ، فإنه يكون لك منها ما أدى بصرك إلى قلبك ، وما أدى سمعك إلى قلبك ) .

ولهذا قال الخطيب : ( حدثني أبو عبد الله الحميدي ) قال : أتى جماعة من الطلبة الحافظ أبا إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله المصري الحبال ليسمعوا منه جزءا ، فأخرج به عشرين نسخة ، وناول كل واحد نسخة يعارض بها .

ويتأكد النظر إذا أراد السامع النقل منها ، كما صرح به ابن الصلاح تبعا للخطيب ، لكونه حينئذ كأنه قد تولى العرض بنفسه ، وبهذا يظهر مناسبة إدخال هذا الفرع في الترجمة ، وبكونه مستحبا صرح الخطيب ، ويشهد له قول علي بن عبد الصمد المكي : قلت لأحمد بن حنبل : أيجزئ ألا أنظر في النسخة حين السماع وأقول : ثنا . مثل الصك شهد بما فيه ولو لم ينظر فيه ؟ فقال لي : لو نظرت في الكتاب كان أطيب لنفسك . [ ص: 84 ] ( وقال يحيى ) بن معين كما رواه الخطيب في ( الكفاية ) من طريقه بسند فيه وجادة ، وأورده لذلك ابن الصلاح بصيغة التمريض ( يجب ) النظر ، وذلك أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ : أيجوز له أن يحدث بذلك عنه ؟ فقال : أما عندي فلا ، ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم . قال : وكان ابن أبي ذئب يحدث من الكتاب ثم يلقيه إليهم فيكتبونه من غير أن يكونوا قد نظروا فيه . ولم ينفرد ابن معين بهذا ، فقد أورد الخطيب أيضا عن أبي عبد الله محمد بن مسلم بن وارة أنه قال : أنتم أهل بلد ينظر إليكم ، يجيء رجل يسألني في أحاديث وأنتم لا تنظرون فيها ثم تكتبونها ، لا أحل لمن لم ينظر في الكتاب أن ينسخ منها شيئا .

ونحوه عن عبد الرزاق قال : لما قدم علينا الثوري قال : ائتوني برجل يكتب ، خفيف الكتاب . قال : فأتينا بهشام بن يوسف فكان هو يكتب ونحن ننظر في الكتاب ، فإذا فرغ ختمنا الكتاب حتى ننسخه . لكن قال ابن الصلاح : إن هذا من مذاهب المتشددين في الرواية ، والصحيح عدم اشتراطه وصحة السماع ولو لم ينظر أصلا في الكتاب حالة السماع . انتهى .

ويمكن أن يخص الاشتراط بما إذا لم يكن صاحب النسخة مأمونا موثوقا [ ص: 85 ] بضبطه ، ولم يكن تقدم العرض بأصل الراوي ، فإنه حينئذ ، كما اقتضاه كلام الخطيب ، لا بد من النظر ، وعبارته : ( وإذا كان صاحب النسخة مأمونا في نفسه ، موثوقا بضبطه ، جاز لمن حضر المجلس أن يترك النظر معه اعتمادا عليه في ذلك ، بل ويجوز ترك النظر حين القراءة إذا كان العرض قد سبق بالأصل ) .

ثم ما تقدم من اشتراط الخطيب المقابلة في صحة الرواية هو المعتمد بين المتقدمين ، وبه صرح عياض أيضا فقال : ( لا يحل للمسلم التقي الرواية مما لم يقابل ، ولا ينخدع في الاعتماد على نسخ الثقة العارف ، ولا على نسخه هو بيده بدون مقابلة وتصحيح ; فإن الفكر يذهب ، والقلب يسهو ، والبصر يزيغ ، والقلم يطغى . بل واختاره من المتأخرين ابن أبي الدم ، فقال : لا يجوز أن يروي عن شيخه شيئا سمعه عليه من كتاب لا يعلم هل هو كل الذي سمعه أو بعضه ؟ وهل هو على وجهه أو لا ؟ ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية