الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ التوضي والغسل والآداب الأخرى عند التحديث ] :

( ثم ) عند إرادتك نشر الحديث بالنية الصحيحة إن شاء الله تعالى ( توضأ ) وضوءك للصلاة ، ( واغتسل ) اغتسالك من الجنابة بحيث تكون على طهارة كاملة ، وتسوك ، وقص أظفارك ، وخذ شاربك ، ( واستعمل ) مع ذلك ( طيبا ) وبخورا في بدنك وثيابك ، فقد قال أنس : ( كنا نعرف خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بريح الطيب ) .

وقال ابن عمر : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستجمر بالألوة غير المطراة وكافور يطرحه معها ) .

( و ) كذا استعمل معه ( تسريحا ) للحيتك وتمشيطا لشعرك إن كان ، بأن ترسله وتحله قبل المشط ; لما [ ص: 221 ] في الشمائل النبوية أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته .

والبس أحسن ثيابك ، وأفضلها البياض ، إلى غير ذلك مما يتجمل به من سائر أنواع الزينة المستحبة ، فالله ورسوله يحبان الجمال .

( و ) كذا استعمل في حال تحديثك ( زبر ) أي : نهر ( المعتلي صوتا ) أي : صوته ( على ) قراءة ( الحديث ) ، والإغلاظ له ، لشمول النهي عن رفع الأصوات فوق صوته صلى الله عليه وسلم ذلك .

كما صرح به مالك حيث قال : إن من رفع صوته عند حديثه صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( واجلس ) حينئذ مستقبل القبلة متمكنا بمقعدتك من الأرض لا مقعيا ونحوه ، ( بأدب ) ووقار ( وهيبة بصدر مجلس ) يكون القوم فيه ، بل وعلى فراش مرتفع يخصك أو منبر ، لما روينا عن مطرف قال : كان الناس إذا أتوا مالكا رحمه الله خرجت إليهم الجارية فتقول لهم : يقول لكم الشيخ : تريدون الحديث أو المسائل ؟ فإن قالوا : المسائل . خرج إليهم في الوقت ، وإن قالوا : الحديث . دخل مغتسله فاغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وتعمم ولبس ساجه ، وتلقى له منصة فيخرج فيجلس عليها ، وعليه الخشوع ، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث .

قال ابن أبي أويس : فقيل له في ذلك ، فقال : ( أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا ) . ويقال : إنه أخذ ذلك عن سعيد بن المسيب .

وكان عبد الله بن عمر بن أبان يخرج إلى مجلس تحديثه وهو طيب الريح حسن الثياب ، [ ص: 222 ] فلقبه أهل خراسان لذلك مشكدانة ، إذ المشك ، بضم الميم ، وبالمعجمة ، بالفارسية المسك ، بالكسر والمهملة ، والقول بأنه وعاء المسك تجوز ، ودانة الحبة ومعناه حبة مسك ، كل ذلك على وجه الاستحباب .

وكره قتادة ومالك وجماعة التحديث على غير طهارة ، حتى كان الأعمش إذا كان على غيرها يتيمم ، لكن قال بعضهم : إن هذه الأمور المحكية عن مالك لا ينبغي اتباعه فيها إلا لمن صحت نيته في خلوص هذه الأفعال تعظيما للحديث لا لنفسه ، لأن للشيطان دسائس في مثل هذه الحركات ، فإذا عرفت أن نيتك فيها كنية مالك فافعلها ، ولا يطلع على نيتك غير الله .

ونحوه قول شيخنا في ( العذبة ) : إن فعلها بقصد السنة أجر ، أو للتمشيخ والشهرة حرم . ولا شك أن حرمته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره بعد مماته عند ذكره وذكر حديثه وسماع اسمه وسيرته كما كانت في حياته ، وكذا معاملة آله وعترته وتعظيم أهل بيته وصحابته لازم ، وربما تعرض للمحدث ضرورة لا يتمكن معها من الجلوس ، فلا حرج في القراءة عليه وهو نائم .

قال ابن عساكر : كنت أقرأ على أبي عبد الفراوي فمرض ، فنهاه الطبيب عن الإقراء ، وأعلمه أنه سبب لزيادة مرضه ، فلم يوافقه على ذلك ، بل كنت أقرأ عليه في مرضه وهو ملقى على فراشه إلى أن عوفي .

وكذا قرأ السلفي وهو متكئ لدمامل أو نحوها كانت في مقعدته على شيخه أبي الخطاب بن البطر ، [ ص: 223 ] وغضب الشيخ لعدم علمه بالعذر .

التالي السابق


الخدمات العلمية