الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
كتابة التسميع .


( 612 ) ويكتب اسم الشيخ بعد البسمله والسامعين قبلها مكمله      ( 613 ) مؤرخا أو جنبها بالطره
أو آخر الجزء وإلا ظهره      ( 614 ) بخط موثوق بخط عرفا
ولو بخطه لنفسه كفى      ( 615 ) إن حضر الكل وإلا استملى
من ثقة صحح شيخ أم لا [ ص: 114 ]      ( 616 ) وليعر المسمى به إن يستعر
وإن يكن بخط مالك سطر      ( 617 ) فقد رأى حفص وإسماعيل
كذا الزبيري فرضها إذ سيلوا      ( 618 ) إذ خطه على الرضا به دل
كما على الشاهد ما تحمل      ( 619 ) وليحذر المعار تطويلا وأن
يثبت قبل عرضه ما لم يبن

( كتابة التسميع ) وكيفيته ، وهو المسمى بالطبقة ، وما ألحق بذلك من إعارة المسموع ومناسبته للعمل في اختلاف الروايات ، من جهة اشتراك محلهما في أول الكتاب أو آخره ، ولكنه وسط بينهما بما هو أظهر في المناسبة مع الأول .

[ كتابة التسميع وشروطه ] :

( ويكتب ) الطالب ( اسم الشيخ ) الذي قرأ أو سمع عليه أو منه كتابا أو جزءا أو نحوه ، وما يلتحق بالاسم من نسب ونسبة وكنية ولقب ومذهب ، ونحو ذلك مما يعرف به ، مع سياق سنده بالمسموع لمصنفه في ثبته الذي يخصه بذلك ، أو في النسخة التي يروم تحصيلها من المسموع .

( بعد البسمله ) فيقول مثلا : أنا أبو فلان فلان بن فلان الفلاني ، ثنا فلان . ويسوق السند إلى آخره على الوجه الذي وقع .

( و ) إن سمع معه غيره فليكتب أسماء ( السامعين ) إما ( قبلها ) أو البسملة فوق سطرها ( مكمله ) من غير اختصار لما لا يتم تعريف كل من السامعين بدونه ، فضلا عن حذف لأحد منهم .

والحذر كما قال ابن الصلاح من إسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد ، ومن الغريب ما حكاه ابن مسدى ، عن ابن المفضل وشيخه السلفي ، أنهما كانا يصدران الطباق بذوي السن ، فإذا أتيا على [ ص: 115 ] ذكرهم تركا الشباب وأدرجاهم في طي لفظة " وآخرين " . والظاهر عدم صحته عن ثانيهما .

كل ذلك حال كون المكتوب ( مؤرخا ) بوقت السماع ، مذكورا محله من البلد وقارئه ، وكذا عدد مجالسه إن تعددت ، معينة ، وتمييز المكملين والناعسين والمتحدثين والباحثين والكاتبين والحاضرين من المفوتين واليقظين والمنصتين والسامعين .

( أو ) يكتب ذلك ( جنبها ) أي : البسملة في الورقة الأولى ( بالطره ) يعني الحاشية المتسعة لذلك ، حسبما أشار إلى حكايته الخطيب عن فعل شيوخه ، وكذا فعله السلفي ، بل ربما يكتب السلفي السماع بالحاشية ولو لم يكن معه غيره ، أو يكتب الطالب التسميع ( آخر الجزء ) أو الكتاب ( وإلا ) أي : وإن لم يكتبه فيما تقدم فيكتبه ( ظهره ) أي : في ظهره ، وربما فعل السلفي وغيره نحوه حيث يكتبون التسميع فيما يكون للمسموع كالوقاية ، أو يكتبه حيث لا يخفى موضعه منه من حاشية في الأثناء ونحو ذلك .

فكل هذا كما قال ابن الصلاح : لا بأس به . مع تصريحه بأن ما قاله الخطيب أحوط له وأحرى بألا يخفى على من يحتاج إليه ، على أن ابن الجزري قد حكى عن بعض شيوخه أن الأولى من جهة الأدب عدم الكتابة فوق البسملة لشرفها ، ووافقه عليه .

وكذا يحسن تسمية المسموع إن كتب التسميع بمحل غير مسمى فيه خوفا من انفراد الورقة فيصير الواقف عليها في حيرة ، وأن ينبه حيث كانت الكتابة بالأثناء على محلها أول المسموع ، فقد رأيت شيخنا يفعله فيقول مثلا : فرغه سماعا فلان ، [ ص: 116 ] والطبقة بالمكان الفلاني . ويعلم بالهوامش عند انتهاء كل مجلس بأن يقول مثلا : بلغ السماع في الأول على فلان ، لأجل من يفوته بعضها أو يسمع بعضها .

وينبغي كما لابن الصلاح أن يكون المكتوب ( بخط ) شخص ( موثوق ) به غير مجهول الخط ، بل ( بخط عرفا ) بين أصحاب الحديث .

( ولو ) كان التسميع ( بخطه لنفسه ) مع اتصافه بذلك ( كفى ) فطال ما فعل الثقات ذلك ، سواء كان معه غيره أم لا .

وعلى كاتب السماع التحري في تفصيل الأفوات وبيان السامع والمسمع والمسموع بعبارة بينة ، وكتابة واضحة ، وإنزال كل منزلته ، ويكون اعتماده في السامعين وتمييز فواتهم ضبط نفسه .

( إن حضر الكل وإلا استملى ) ما غاب عنه ( من ثقة ) ضابط ممن حضر ، فذلك كما قال ابن الصلاح : لا بأس به ; إن شاء الله تعالى ، سواء في اعتماد الثقة لضبط نفسه أو ثقة غيره ، أفصح بذلك في خطه ، ( صحح ) على التسميع ( شيخ ) ; أي : الشيخ المسمع واحدا فأكثر حسبما اتفق ( أم لا ) .

قال ابن الصلاح : وقد حدثني بمرو الشيخ أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي ، عن أبيه ، عمن حدثه من الأصبهانية أن عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده قرأ ببغداد جزءا على أبي أحمد الفرضي ، وسأله خطه ليكون حجة له ، فقال له أبو أحمد : يا بني ، عليك بالصدق ، فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد ، وتصدق فيما تقول وتنقل ، وإذا كنت غير ذلك ; فلو قيل لك : ما هذا خط أبي أحمد ، ماذا تقول لهم ؟ .

ونحوه قول ابن الجزري : قدمت لشيخنا الحافظ أبي بكر بن المحب طبقة ليصحح عليها لكونه المسمع ، فكره ذلك مني ، وقال : لا تعد إليه ، فإنما يحتاج إلى التصحيح من يشك فيه . انتهى .

[ ص: 117 ] وما يوجد من تصحيح الشيوخ المسمعين إنما اعتمادهم فيه غالبا على الضابطين ، وربما أفصح المتحري منهم بذلك ، وحينئذ فلا فائدة فيه ، إلا إن كان الشيخ نفسه هو الضابط كما كان ابن المنصف يفعله غالبا لقلة المتميزين في ذلك . نعم ، ربما استظهر بعض المتشددين لما يكتب المحدث لنفسه أنه سمعه حيث كان معه غيره بشهرة أحد السامعين بين المحدثين ، وحيث كان منفردا بالإلحاق والتصحيح وشبهه ، إذ الكتاب لا يخلو غالبا عن الاحتياج لذلك ، بل وبتحليف الراوي .

فروى أبو بكر بن المقرئ ، عن الحسن بن القاسم بن دحيم الدمشقي : ثنا محمد بن سليمان قال : قدم ابن معين علينا البصرة ; فكتب عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وقال له : يا أبا سلمة ، إني أريد أن أذكر لك شيئا فلا تغضب منه ، قال : هات ، قال : حديث همام ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبي بكر في الغار ، لم يروه أحد من أصحابك ، إنما رواه عفان وحبان ، ولم أجده في صدر كتابك ، إنما وجدته على ظهره . قال : فتقول ماذا ؟ قال : تحلف لي أنك سمعته من همام . فقال : قد ذكرت أنك كتبت عني عشرين ألفا ، فإن كنت عندك فيها صادقا فما ينبغي أن تكذبني في حديث ، وإن كنت كاذبا في حديث فما ينبغي أن تصدقني فيها ، وترمي بها ، بنت أبي عاصم طالق ثلاثا إن لم أكن سمعته من همام ، ووالله لا أكلمك أبدا .

وسمع عبد الرحمن بن يزيد بن جابر من رزيق بن حيان حديثا ، فلما فرغ [ ص: 118 ] قال له : آلله يا أبا المقدام - وهي كنيته - لحدثك فلان بهذا ، أو سمعت هذا ؟ قال : فجثا على ركبتيه واستقبل القبلة وقال : إي والله الذي لا إله إلا هو .

ولعل سلفه قول علي رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله عز وجل بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيري استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر رضي الله عنه وصدق أبو بكر . وذكر حديثا .

وقد يبتدئ الشيخ بالحلف مع اشتهار ثقته وصدقه ، لكن لتزداد طمأنينة السامعين ، كما كان ابن عبد الدائم يحلف في فوتيه من ( صحيح مسلم ) أنهما أعيدا له ، وفعله من التابعين زيد بن وهب فقال : ثنا - والله - أبو ذر بالربذة . وذكر حديثا .

التالي السابق


الخدمات العلمية