[ الاختلاف في صحة ] : رواية الأعمى والأمي
( كذلك الضرير ) أي : الأعمى ( والأمي ) ; أي : الذي لا يكتب ، اللذان ( لا يحفظان ) حديثهما من فم من حدثهما ، تصح روايتهما حيث ( يضبط المرضي ) الثقة لهما ( ما سمعا ) ثم يحفظ كل منهما كتابه عن التغيير بحسب حاله ، ولو بثقة غيره إلى أن يؤدي ، مستعينا حين الأداء أيضا بثقة في القراءة منه عليه ، بحيث يغلب على الظن سلامته من الزيادة [ ص: 132 ] والنقص والتغيير ونحوها ، من حين التحمل إلى انتهاء الأداء لا سيما إن انضم إليه من مزيد الحفظ ما يأمن معه من الإدخال عليه لما ليس من حديثه .
مثل الذي قال فيه يزيد بن هارون : ما أفطنه وأذكاه وأفهمه . والقائل هو لمستمليه : بلغني أنك تريد أن تدخل علي في حديثي ، فاجهد جهدك لا أرعى الله عليك إن رعيت ، أحفظ ثلاثة وعشرين ألف حديث . فإنه كان بعد أن كف بسبب كثرة بكائه في الأسحار يأمر جاريته فتلقنه ويحفظ عنها ، ولم يلتفتوا للقول بأنه عيب بذلك . الإمام أحمد
وقد كان عبد الرزاق يلقنه أصحاب الحديث ، فإذا اختلفوا اعتمد من علم بإتقانه منهم فيصير إليه ، ومع ذلك فأسندت عنه أحاديث ليست في كتبه ، البلاء فيها ممن دونه ، ولذا كان من سمع منه من كتبه أصح ، وممن فعله في الجملة موسى بن عبيدة الربذي فإنه كان أعمى ، وكانت له خريطة فيها كتبه ، فكان إذا جاءه إنسان دفع إليه الخريطة ، فقال : اكتب منها ما شئت . ثم يقرأ عليه مع كونه لم يكن بالحافظ ، ولكنه ليس بحجة .
ومنع من ذلك غير واحد من الأئمة كابن معين وأحمد ، قال الخطيب : ونرى العلة في المنع هي جواز الإدخال عليهما ما ليس من سماعهما . وأشار إلى أنها هي العلة التي منع مالك لأجلها غير الحافظ من الرواية معتمدا على كتبه كما تقدم .
[ ص: 133 ] ويدل لذلك أن المحكي عنه المنع ، قال في الرجل يلقن حديثه : لا بأس به إذا كان يعرف ما يدخل عليه . ابن معين
وحكي عن ، وكان قد عمي وهو ابن ثمان سنين أو أربع ، أنه كان إذا حدث بما لم يحفظه عن شيخه يقول : في كتابنا ، أو في كتابي ، وكذا ذكر فلان ونحو ذلك ، ولا يقول : ثنا ، ولا سمعت . إلا فيما حفظه من في المحدث ، وهذا يشبه أن يكون مذهبا ثالثا . أبي معاوية الضرير
والمذهبان الأولان وجهان حكاهما الرافعي في ( الشهادات ) وقال : إن الجمهور على القبول ، قال : ( والخلف في الضرير : أقوى وأولى منه في البصير ) الأمي ، يعني : لخفة المحذور فيه ، وهو ظاهر بالنظر إلى الأصل خاصة ، لا مع انضمام أمر آخر ، وإلا فقد يختلف الحال فيهما بالنسبة إلى الأشخاص والأوصاف ، ولذا قال ابن الصلاح البلقيني : قد تمنع الأولوية من جهة تقصير البصير ، فيكون الأعمى أولى بالجواز لأنه أتى باستطاعته .
وقال شيخنا : إذا كان الاعتماد على ما كتب لهما فهما سواء ، إذ الواقف على كتابهما يغلب على ظنه السلامة من التغيير أو عكسها . على أن الرافعي قد خص الخلاف في الضرير بما سمعه بعد العمى ، فأما ما سمعه قبله فله أن يرويه بلا خلاف ، يعني بشرطه ، وفي نفي الخلاف توقف .
إذا علم هذا ، فتعليل اختياره عدم ابن الصلاح بكون السند لا يخلو غالبا على من اعتمد على ما في كتابه ; لا يخدش في كون المعتمد هنا اعتماد غير الحافظ الكتاب المتقن ، فإن تحديث المتقدمين من كتبهم مصاحب غالبا بالضبط والإتقان الذي يزول به الخلل ، حتى إن التصحيح في الأزمان المتأخرة الحاكم أدرج في المجروحين من تساهل في الرواية من نسخ مشتراة أو مستعارة غير مقابلة ، لتوهمهم الصدق في الرواية منها ، بخلاف [ ص: 134 ] المتأخرين في ذلك ، فهو غالبا عري عن الضبط والإتقان ، وإن نوقش في أصله كما تقرر في محله .